رسالة الدكتور عبد الكريم بكارالثامنة-مشكلة التخوم‏

[نبض الخواطر]

د. عبد الكريم بكار



أخرج الشيخان عن رسول الله ـصلى الله عليه وسلم ـأنه قال : (( إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس , فمن اتقى الشبهات , فقد استبرأ لدينه وعرضه, ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ...)) لعلى أقف في نور هذا الحديث الوقفات التالية : 1ـ في أمور الدين والدنيا مسائل واضحة وضوح الشمس , ولا يدور حولها أي جدل ،. وهذه تشكل المرتكزات الأساسية لحياتنا على مستوى التنظير و على مستوى العمل , وهي بحمد الله كثيرة جداً . 2ـ هناك أمور تقع على التخوم بين المباح والممنوع والمقبول والمرفوض واللائق وغير اللائق , وهذه موجودة في كل مجالات الحياة . والاختلاف قد يعود إلى الفقهاء والمفتين.وقد يعود إلى غيرهم من أهل التخصصات الأخرى , وهذا واضح . ـ السؤال الذي يطرح نفسه هو : ماالموقف الرشيد من هذه المسائل البرزخية المشتبهة ؟ لعل الجواب يكمن في الآتي : 1ـ يجب أن نوقن أنه لأسباب كثيرة سيظل هناك ما نختلف فيه , وستنقضي هذه الحياة دون أن يحسم كثير منه . 2ـ حين يختلف أهل العلم في مسألة من المسائل فإن ترجيح قول من أقوالهم على قول آخر هو نوع من الاجتهاد, ولا يصح لمن لم يحط بالمسألة إحاطة جيدة ويكن في أهلية الاجتهاد قريباً من المختلفين أن يرجح قولاً على قول , وهذا ما يقع فيه كثير من شبابنا اليوم ممن يدخلون على المنتديات. إن الذي يحكم على جراح جراح مثله ، و ليس أحد المرضى كذلك فإن الذي يحكم على براعة فقيه فقيه مثله ,وليس طالباً في الجامعة . 3ـ لايصح اتهام المختلفين في نياتهم , فهذا أمر لا يعرفه إلا الله ـ تعالى ـ و إن من غير الموضوعي ولا المقبول شرعاً الخوض في ذلك .. 4ـ نحن كثيراً ما نقف مواقف متناقضة , فإذا تحدث العالم بشئ متفق عليه وواضح مللنا منه , وقلنا : لم يأت بجديد ، وإذا جاء بجديد استوحشنا منه إذا لم يوافق أمزجتنا ومعارفنا. 5ـ التقدم في العلوم وفي الحياة عامة لا يكون إلا من خلال الاشتغال بإضاءة الخلافيات والاهتمام بالجزئيات. إننا حين نحسم الخلاف في أمر نفتح الطريق أمام الناس كي يعملوا به و إذا انتهينا إلى الحكم بحظره ومنعه , فإن الناس يبحثون عن طريق آخر لتحقيق حاجاتهم . وإذا وقع بعضهم في المحظور عرفوا أنهم على خطأ , وربما تابوا وتراجعوا عنه . 5ـ الاشتغال بالمتفق عليه والواضح يتركز في تبليغه للناس وتذكيرهم به , وعلى من يقوم بذلك تجنب المبالغة والإسفاف والابتذال. 6 ـ على الصعيد العملي والتطبيقي فإن من علامة تقوى المسلم وورعه البعد عن مواقف الشبه و الخلاف استبراء للدين والعرض . وفي الصحيحين عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( فمن ترك ما يشتبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك) ) وقال ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ : (( إني لأحب أن أدع بيني و بين الحرام حاجزاً من الحلال)) .. أسأل الله أن يلهمنا وإياكم الرشد في الأمر كله . وإلى أ ن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.....