وبينما كنت أسير في ذلك العالم..
أنظر إلى لمعان النجوم في السماء..
واستمع إلى عواء الذئاب في الخلاء..
وأتأمل خلق الخالق جل شأنه..

إذ بذلك الصوت البعيد ينادي..
تقهقرت إلى الوراء قليلا..
ثم أنصت إلية..
فإذا هو نفس الصوت الذي أعرفه..
ولم أنكره..

ولم أكد أرفع بصري..
إلا ورأيت تلك الصورة التي طالما تمنيت أن أراها منذ زمن بعيد..
رأيتها وهي توجه النداء الي..
رأيتها هي..
هي بعينها..
هي جدتي التي رحلت عن هذه الحياة ليلة الخميس
الموافق 14/12/1414هـ

إحتضنتها..
وقبلتها عدة قبلات..
وأمسكت بيديها..
تلك اليدان اللتان لم أرى أجمل منهما..

إبتسمت ابتسامة رقيقة شفافة كنسيم الليل..
ثم تحركت تلك الشفتان التي أبدع الله خلقها قائلة:

((اشتقت إليك كثيراَ يابنيتي..))

وهمت أن تكمل..
فقاطعتها..

أتذكرين ياجدتي تلك الأيام والليالي؟؟
وحكاياتك لي عند النوم؟؟
أتذكرينها؟؟

إنها أجمل أيام عمري..
كنت سعيدة بها..
وبقربكِ أنتِ..
لأني كنت لا أشعر بالأمان إلا بجانبك..
ومع حكاياتك وتنكيتك الظريف..
الذي ينم عن طيبة قلبك..
وشفافية روحك..

تعجبني كلماتك..
وأشتاق لسماع صوتك ورؤيتك..
وشريط الذكريات يستدير ليعيد نفسه الآن في مخيلتي..
وقد أعجز بعد انتهائه من استعادته مرة أخرى..
صورتك كنت أراها في كل مناسبة وفي كل مكان..
صوتك يسامرني ويطرب أذني..
أسمعه كل صباح كتغريد العصافير..
لم تعرف عيني السهر إلا من بعد رحيلك..
معك عشت حياه كلها حب وضحك..
وبعدك عشت حياه ملل وحرمان..
عشتها أسيرة الدموع والذكريات الجميلة التي أمضيتها معك..

سكت كل شيء من حولنا..
حتى النسيم اللطيف لم يعد يمر من حولنا..
ولم يعد يداعب الأغصان وبراعم الأشجار..

أدرت بصري لأراكِ مرة أخرى..
فلم أجد سوى طيف أحلام..


صرخت بأعلى صوتي..

جدتي.. جدتي..

أين أنتِ؟

أرجوكِ أجيبيني..

عودي إلي ياجدتي..

لاتتركيني وحيده في هذا العالم المخيف..

فلم أجد إجابة على ندائي سوى نداء الصدى من حولي..

فاستيقظت فزعه من نومي..

وبدأت في البحث عن جدتي في أرجاء غرفتي..

فلم أجدها..

وبدأت بالبكاء..

فأدركت بأنه لقاء قد تم في مخيلتي وفي أحلامي..

وآمنت بأن حكمة الخالق جل شأنه فوق كل شيء..

فالموت ماهو إلا حقٌ علينا جميعاً..

لنعود ونلتقي مره أخرى ياجدتي..

على بساط الآخرة..

في جنات الفردوس..

ووالدينا ووالديهم وجميع موتى المسلمين..

اللهم آمين
اللهم آمين

ابنتك المحبة