![]() |
في ظلال قوله تعالى(والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله..) لسيد قطب(30).
(والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم - ومن يغفرالذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون). . يالسماحة هذا الدين ! إن الله - سبحانه - لا يدعو الناس إلى السماحة فيما بينهم حتى يطلعهم على جانب من سماحته - سبحانه وتعالى - معهم . ليتذوقوا ويتعلموا ويقتبسوا: إن المتقين في أعلى مراتب المؤمنين . . ولكن سماحة هذا الدين ورحمته بالبشر تسلك في عداد المتقين (الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم). . والفاحشة أبشع الذنوب وأكبرها . ولكن سماحة هذا الدين لا تطرد من يهوون إليها , من رحمة الله . ولا تجعلهم في ذيل القافلة . . قافلة المؤمنين . . إنما ترتفع بهم إلى أعلى مرتبة . . مرتبة "المتقين" . . على شرط واحد . شرط يكشف عن طبيعة هذا الدين ووجهته . . أن يذكروا الله فيستغفروا لذنوبهم , وألا يصروا على مافعلوا وهم يعلمون أنه الخطيئة , وألا يتبجحوا بالمعصية في غير تحرج ولا حياء . . وبعبارة أخرى أن يكونوا في إطار العبودية لله , والاستسلام له في النهاية . فيظلوا في كنف الله وفي محيط عفوه ورحمته وفضله . إن هذا الدين ليدرك ضعف هذا المخلوق البشري الذي تهبط به ثقلة الجسد أحيانا إلى درك الفاحشة , وتهيج به فورة اللحم والدم فينزو نزوة الحيوان في حمى الشهوة ,وتدفعه نزواته وشهواته وأطماعه ورغباته إلى المخالفة عن أمر الله في حمى الاندفاع . يدرك ضعفه هذا فلا يقسو عليه , ولا يبادر إلى طرده من رحمة الله حين يظلم نفسه . حين يرتكب الفاحشة . . المعصية الكبيرة . . وحسبه أن شعلة الإيمان ما تزال في روحه لم تنطفىء , وأن نداوة الإيمان ما تزال في قلبه لم تجف , وأن صلته بالله ما تزال حية لم تذبل , وأنه يعرف أنه عبد يخطىء وأن له ربا يغفر . . وإذن فما يزال هذا المخلوق الضعيف الخاطىء المذنب بخير . . إنه سائر في الدرب لم ينقطع به الطريق , ممسك بالعروة لم ينقطع به الحبل , فليعثر ما شاء له ضعفه أن يعثر . فهو واصل في النهاية ما دامت الشعلة معه , والحبل في يده . ما دام يذكر الله ولا ينساه , ويستغفره ويقر بالعبودية له ولا يتبجح بمعصيته . إنه لا يغلق في وجه هذا المخلوق الضعيف الضال باب التوبة , ولا يلقيه منبوذا حائرا في التيه ! ولا يدعه مطرودا خائفا من المآب . . إنه يطمعه في المغفرة , ويدله على الطريق , ويأخذ بيده المرتعشة , ويسند خطوته المتعثرة , وينير له الطريق , ليفيء إلى الحمى الآمن , ويثوب إلى الكنف الأمين . شيء واحد يتطلبه: ألا يجف قلبه , وتظلم روحه , فينسى الله . . وما دام يذكر الله . ما دام في روحه ذلك المشعل الهادي . ما دام في ضميره ذلك الهاتف الحادي . ما دام في قلبه ذلك الندى البليل . . فسيطلع النور في روحه من جديد , وسيؤوب إلى الحمى الآمن من جديد , وستنبت البذرة الهامدة من جديد . إن طفلك الذي يخطىء ويعرف أن السوط - لا سواه - في الدار . . سيروح آبقا شاردا لايثوب إلى الدار أبدا . فأما إذا كان يعلم أن إلى جانب السوط يدا حانية , تربت على ضعفه حين يعتذر من الذنب , وتقبل عذره حين يستغفر من الخطيئة . . فإنه سيعود ! وهكذا يأخذ الإسلام هذا المخلوق البشري الضعيف في لحظات ضعفه . . فإنه يعلم أن فيه بجانب الضعف قوة , وبجانب الثقلة رفرفة , وبجانب النزوة الحيوانية أشواقا ربانية .. فهو يعطف عليه في لحظة الضعف ليأخذ بيده إلى مراقي الصعود , ويربت عليه في لحظة العثرة ليحلق به إلى الأفق من جديد . ما دام يذكر الله ولا ينساه , ولا يصر على الخطيئة وهو يعلم أنها الخطيئة ! والرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يقول:" ما أصر من استغفر , وإن عاد في اليوم سبعين مرة " والإسلام لا يدعو - بهذا - إلى الترخص , ولا يمجد العاثر الهابط , ولا يهتف له بجمال المستنقع ! كما تهتف "الواقعية" ! إنما هو يقيل عثرة الضعف , ليستجيش في النفس الإنسانية الرجاء , كما يستجيش فيها الحياء ! فالمغفرة من الله - ومن يغفرالذنوب إلا الله ؟ - تخجل ولا تطمع , وتثير الاستغفار ولا تثير الاستهتار . فأما الذين يستهترون ويصرون , فهم هنالك خارج الأسوار , موصدة في وجوههم الأسوار ! وهكذا يجمع الإسلام بين الهتاف للبشرية إلى الآفاق العلى , والرحمة بهذه البشرية التي يعلم طاقتها . ويفتح أمامها باب الرجاء أبدا , ويأخذ بيدها إلى أقصى طاقتها . انتهى من الظلال. رحم الله صاحب الظلال رحمة واسعة. |
رد: في ظلال قوله تعالى(والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله..) لسيد قطب(
جزاك الله خيرا اخووي
وجعله الله في ميزان حسناتك |
رد: في ظلال قوله تعالى(والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله..) لسيد قطب(
جزاك الله خير اخي متفائل وبارك فيك
|
رد: في ظلال قوله تعالى(والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله..) لسيد قطب(
جزاك الله عنا كل خير وسدد خطاك
|
الساعة الآن 07:43 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.9
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc. Trans by
جميع الحقوق محفوظة لدى موقع ومنتديات حاسبكو 1431هـ/1432هـ