safanh
02-29-2008, 01:13 PM
كيف تصبح عبقرياً؟
فهد عامر الأحمدي
العبقرية موجودة في كل إنسان وإن اختلفت مقادير ذلك الوجود .. والاختلاف بين الأفراد كمي (وكيفي بنسبة أقل) من حيث قدرتهم على العبقرية والإبداع .. فجميعنا وبدون أن نعي ذلك نبدع كل يوم حلولا فريدة لمشاكلنا الصغيرة .. وجميعنا فكر بأشياء رآها لاحقا في الأسواق والمتاجر ..
غير أن الوصول لمدارج العبقرية الأصيلة يقتضي مستوى أكثر تقدما ومساهمة نوعية تقدمها لبقية البشر. وأهم ناحية يجب أن تطور نفسك فيها (حتى تصل لمقام المبدعين الكبار) هي التعرف على الخصائص الذهنية التي امتلكها العباقرة عبر التاريخ ؛ فإن تنبهت إليها جيدا وتبنيتها ضمن شخصيتك وطريقة تفكيرك فثق أنك مع شيء من الجهد والرغبة ستصبح في عداد العظماء (.. أو لنقل .. قريبا منهم) !
ومن خلال قراءتي القديمة في سير العباقرة والمبدعين لاحظت عددا من الصفات الشخصية التي يتميزون بها عن بقية الخلق :
@ فالعباقرة مثلا لديهم نظرة ناقدة لكل ما يدور حولهم وإحساس عميق بوجود "المشكلة"؛ فالقدرة على رؤية مشكلة معينة (في كل ما يجري حولنا) أول خطوة لتقديم حلول إضافية ومبتكرة . أما إن لم نعتقد بوجود أي مشكلة (ورأينا الأمور على أحسن ما يرام) فهذا بحد ذاته يلغي الدافع نحو الابداع والتطوير والبحث عن حلول جديدة .. فالمخترع الحقيقي مثلا يرى "مشكلة" في كل ما يعمل حوله ؛ فهو يرى في المصعد مشكلة التوقف، وفي عجلة السيارة مشكلة انفجارها، وفي القلم انتهاء حبره ، وفي كرسي المعاقين عدم صعوده الدرج ... وهكذا ...
@ أيضا يتميز المبدعون بموهبة "التفكير الابتكاري" .. فالمبدع بقصد أو بدون قصد يفكر بطريقة تقوده دائما إلى حل مختلف عن الآخرين ؛ فهو - على سبيل المثال - يستعمل الطرق والأدوات المتوفرة للجميع ولكن لغير ما صنعت لأجله .. كما أنه يرى أوجه الشبه في ظواهر قد تبدو متفاوتة (كتماثل الذرة والمجرة) ولديه القدرة على إعادة تنظيم مشكلة قديمة للخروج بحل أسهل أو أفضل .. وهو في جميع الأحوال إنسان ملول يفكر دائما بطرق ثورية متمردة يضايقه تشابه الحلول السابقة ويعمد إلى تنفيذ الأعمال العادية بطريقته الخاصة !
@ أيضا يحتفظ العبقري والمبدع الأصيل ب"تساؤل الطفولة" .. فالطفل قد يسأل أسئلة تبدو لنا ساذجة من نوعية : لماذا الشجر أخضر؟ أو لماذا لا تقع الطيور ؟ أو لماذا لا يغرق السمك؟ .. وفي خفايا هذه الأسئلة الطفولية تكمن أعظم أسباب الاكتشافات العلمية، فالطفل دائم التساؤل لأنه يريد اكتشاف عالمه المحيط في حين يجد الكبار أنفسهم محرجين من تلك الأسئلة (رغم عدم معرفتهم لجوابها الصحيح) لأن إيقاع الحياة الممل أزال دهشة الطفولة من نفوسهم . أما العباقرة فهم الفئة القليلة من البشر التي ما زال اندهاش الطفولة يسيطر عليها، فالعبقري طفل كبير يريد جواباً لكل شيء وحين سقطت التفاحة بجانب نيوتن تساءل "لماذا سقطت؟" فاكتشف قانون الجاذبية أما بالنسبة لمعظمنا فكان الأولى أكل التفاحة بدل إلقاء هذه الأسئلة الساذجة.
@ أيضا يتمتع العبقري والمبدع بكم كبير من "سعة الخيال" .. فخيال اليوم هو حقيقة الغد ومن يملك خيالاً واسعا يستطيع رؤية عالم المستقبل . فمعظم إنجازاتنا العلمية المعاصرة - كصعود القمر وفلق الذرة - كانت مجرد خيالات مجنونة أمكن تحقيقها في عصرنا الحاضر. ولأن العبقري واسع الخيال يسعى لتطبيق ما يعتقد به مستقبلاً بينما الناس بحاضرهم قانعون .. أضف لهذا أن لسعة الخيال فائدة أخرى، ذلك أن تفسير أي ظاهرة علمية يتطلب وضع عدد كبير من الاحتمالات والفرضيات حتى الوصول إلى التفسير الصحيح. والعبقري قادر على طرح عدد كبير من الفرضيات والاحتمالات بينما عامة الناس تأخذ بأول تفسير تسمعه أو تعتقده بدون التثبت من صحته !!
وكما يملك العباقرة إحساسا عميقا بوجود (مشكلة) في كل مايرونه أمامهم ؛ يملكون أيضا موهبة التفكير بطريقة مختلفة ويحتفظون بتساؤل الطفولة ويتمتعون بقدر كبير من سعة الخيال (وهي الصفات التي تعرضنا لها في آخر مقال)..
أيضا يتمتع العباقرة ب"دقة الملاحظة".. فالأحداث تمر بسرعة وتكشف عن نفسها في دورات منتظمة ووحده دقيق الملاحظة من يستطيع اقتناص الحقائق واضحة ومجسدة . وما يمنع عامة الناس من (اقتناص الحقائق جاهزة) مرورها السريع مقابل بلادة الذهن الناتجة عن إيقاع الحياة الممل . أما العبقري فهو دقيق الملاحظة ، قناص للحقائق، يرى ما لا يراه الآخرون - فيخرج بفكرة جديدة أو اكتشاف غير مسبوق !
أيضا يملك العباقرة نعمة "الاستغراق في التفكير".. فنحن في الحقيقة لا نفكر بعمق ونكتفي غالبا بلمس قشور المشكلة وتبني أول تفسير نجده - ناهيك عن تعاملنا مع المتغيرات بآلية رد الفعل.. أما التفكير العميق فيجعل الإنسان يدخل إلى جوهر المشكلة، ويساير شعباتها، ويمحص نتائجها، حتى يصبح الأمر كالتحدي : الفكرة شاردة والعبقري يطاردها بمختلف الفرضيات لعل في أحدها يكمن الحل - (وحين سئل نيوتن عن كيفية اكتشافه قانون الجاذبية أجاب: بالتفكير العميق والمستمر)..
أيضا العبقري لديه الشجاعة والجراءة على "مخالفة المعتاد".. فالإنسان بطبعه مشدود لما يألف يخاف مما يجهل. وهذا وحده كفيل بإبقاء البشرية كأول يوم خلقت فيه لولا نفر من العباقرة جبلوا على مخالفة المعتاد ومعارضة السائد وتجربة الجديد..
أما العبقري فإنسان متمرد، ملول، يعشق تجربة الجديد، يعارض التقاليد السائدة ويستبدلها بحقائق جديدة أفضل وأجمل.. (وأنا شخصيا على قناعة بأن الخروج عن المعتاد هو نصف الإبداع) !
ومن صفات المبدعين المهمة قدرتهم على تجاوز المشكلة وإعادة ربط العلاقات.. فمن الملاحظ أن كثيرا من الاختراعات والاكتشافات كانت تطويراً لشيء موجود أو سبق اكتشافه . والعبقري يستطيع تطوير "ما سبق" لأنه قادر على رؤية النقص وتجاوز المشكلة المزمنة في هذا الاختراع أو ذاك الاكتشاف..
فعلى سبيل المثال ، المروحة الرأسية مسئولة عن سحب الطائرة إلى الأمام ، ولكن (سيكورسكي) أعاد تنظيم المشكلة ونظر إليها من زاوية جديدة فوضع المروحة بشكل أفقي واخترع طائرة الهليوكوبتر !
... إذاً ؛ هذه أبــــرز (وليست كل) الصفات الشخصية التي لوحظت لدى العباقرة والمبدعين.. وبالطبع يمكنك الاكتفاء بقراءتها .. ولكن إن كانت لديك رغبة حقيقية في أن تتأصل ضمن شخصيتك فتمعن بها مجددا وحاول تطبيقها في حياتك اليومية (حتى تصبح "جبلة" تظهر بشكل تلقائي)...
أتمنى لكم الفائـــدة ,,
فهد عامر الأحمدي
العبقرية موجودة في كل إنسان وإن اختلفت مقادير ذلك الوجود .. والاختلاف بين الأفراد كمي (وكيفي بنسبة أقل) من حيث قدرتهم على العبقرية والإبداع .. فجميعنا وبدون أن نعي ذلك نبدع كل يوم حلولا فريدة لمشاكلنا الصغيرة .. وجميعنا فكر بأشياء رآها لاحقا في الأسواق والمتاجر ..
غير أن الوصول لمدارج العبقرية الأصيلة يقتضي مستوى أكثر تقدما ومساهمة نوعية تقدمها لبقية البشر. وأهم ناحية يجب أن تطور نفسك فيها (حتى تصل لمقام المبدعين الكبار) هي التعرف على الخصائص الذهنية التي امتلكها العباقرة عبر التاريخ ؛ فإن تنبهت إليها جيدا وتبنيتها ضمن شخصيتك وطريقة تفكيرك فثق أنك مع شيء من الجهد والرغبة ستصبح في عداد العظماء (.. أو لنقل .. قريبا منهم) !
ومن خلال قراءتي القديمة في سير العباقرة والمبدعين لاحظت عددا من الصفات الشخصية التي يتميزون بها عن بقية الخلق :
@ فالعباقرة مثلا لديهم نظرة ناقدة لكل ما يدور حولهم وإحساس عميق بوجود "المشكلة"؛ فالقدرة على رؤية مشكلة معينة (في كل ما يجري حولنا) أول خطوة لتقديم حلول إضافية ومبتكرة . أما إن لم نعتقد بوجود أي مشكلة (ورأينا الأمور على أحسن ما يرام) فهذا بحد ذاته يلغي الدافع نحو الابداع والتطوير والبحث عن حلول جديدة .. فالمخترع الحقيقي مثلا يرى "مشكلة" في كل ما يعمل حوله ؛ فهو يرى في المصعد مشكلة التوقف، وفي عجلة السيارة مشكلة انفجارها، وفي القلم انتهاء حبره ، وفي كرسي المعاقين عدم صعوده الدرج ... وهكذا ...
@ أيضا يتميز المبدعون بموهبة "التفكير الابتكاري" .. فالمبدع بقصد أو بدون قصد يفكر بطريقة تقوده دائما إلى حل مختلف عن الآخرين ؛ فهو - على سبيل المثال - يستعمل الطرق والأدوات المتوفرة للجميع ولكن لغير ما صنعت لأجله .. كما أنه يرى أوجه الشبه في ظواهر قد تبدو متفاوتة (كتماثل الذرة والمجرة) ولديه القدرة على إعادة تنظيم مشكلة قديمة للخروج بحل أسهل أو أفضل .. وهو في جميع الأحوال إنسان ملول يفكر دائما بطرق ثورية متمردة يضايقه تشابه الحلول السابقة ويعمد إلى تنفيذ الأعمال العادية بطريقته الخاصة !
@ أيضا يحتفظ العبقري والمبدع الأصيل ب"تساؤل الطفولة" .. فالطفل قد يسأل أسئلة تبدو لنا ساذجة من نوعية : لماذا الشجر أخضر؟ أو لماذا لا تقع الطيور ؟ أو لماذا لا يغرق السمك؟ .. وفي خفايا هذه الأسئلة الطفولية تكمن أعظم أسباب الاكتشافات العلمية، فالطفل دائم التساؤل لأنه يريد اكتشاف عالمه المحيط في حين يجد الكبار أنفسهم محرجين من تلك الأسئلة (رغم عدم معرفتهم لجوابها الصحيح) لأن إيقاع الحياة الممل أزال دهشة الطفولة من نفوسهم . أما العباقرة فهم الفئة القليلة من البشر التي ما زال اندهاش الطفولة يسيطر عليها، فالعبقري طفل كبير يريد جواباً لكل شيء وحين سقطت التفاحة بجانب نيوتن تساءل "لماذا سقطت؟" فاكتشف قانون الجاذبية أما بالنسبة لمعظمنا فكان الأولى أكل التفاحة بدل إلقاء هذه الأسئلة الساذجة.
@ أيضا يتمتع العبقري والمبدع بكم كبير من "سعة الخيال" .. فخيال اليوم هو حقيقة الغد ومن يملك خيالاً واسعا يستطيع رؤية عالم المستقبل . فمعظم إنجازاتنا العلمية المعاصرة - كصعود القمر وفلق الذرة - كانت مجرد خيالات مجنونة أمكن تحقيقها في عصرنا الحاضر. ولأن العبقري واسع الخيال يسعى لتطبيق ما يعتقد به مستقبلاً بينما الناس بحاضرهم قانعون .. أضف لهذا أن لسعة الخيال فائدة أخرى، ذلك أن تفسير أي ظاهرة علمية يتطلب وضع عدد كبير من الاحتمالات والفرضيات حتى الوصول إلى التفسير الصحيح. والعبقري قادر على طرح عدد كبير من الفرضيات والاحتمالات بينما عامة الناس تأخذ بأول تفسير تسمعه أو تعتقده بدون التثبت من صحته !!
وكما يملك العباقرة إحساسا عميقا بوجود (مشكلة) في كل مايرونه أمامهم ؛ يملكون أيضا موهبة التفكير بطريقة مختلفة ويحتفظون بتساؤل الطفولة ويتمتعون بقدر كبير من سعة الخيال (وهي الصفات التي تعرضنا لها في آخر مقال)..
أيضا يتمتع العباقرة ب"دقة الملاحظة".. فالأحداث تمر بسرعة وتكشف عن نفسها في دورات منتظمة ووحده دقيق الملاحظة من يستطيع اقتناص الحقائق واضحة ومجسدة . وما يمنع عامة الناس من (اقتناص الحقائق جاهزة) مرورها السريع مقابل بلادة الذهن الناتجة عن إيقاع الحياة الممل . أما العبقري فهو دقيق الملاحظة ، قناص للحقائق، يرى ما لا يراه الآخرون - فيخرج بفكرة جديدة أو اكتشاف غير مسبوق !
أيضا يملك العباقرة نعمة "الاستغراق في التفكير".. فنحن في الحقيقة لا نفكر بعمق ونكتفي غالبا بلمس قشور المشكلة وتبني أول تفسير نجده - ناهيك عن تعاملنا مع المتغيرات بآلية رد الفعل.. أما التفكير العميق فيجعل الإنسان يدخل إلى جوهر المشكلة، ويساير شعباتها، ويمحص نتائجها، حتى يصبح الأمر كالتحدي : الفكرة شاردة والعبقري يطاردها بمختلف الفرضيات لعل في أحدها يكمن الحل - (وحين سئل نيوتن عن كيفية اكتشافه قانون الجاذبية أجاب: بالتفكير العميق والمستمر)..
أيضا العبقري لديه الشجاعة والجراءة على "مخالفة المعتاد".. فالإنسان بطبعه مشدود لما يألف يخاف مما يجهل. وهذا وحده كفيل بإبقاء البشرية كأول يوم خلقت فيه لولا نفر من العباقرة جبلوا على مخالفة المعتاد ومعارضة السائد وتجربة الجديد..
أما العبقري فإنسان متمرد، ملول، يعشق تجربة الجديد، يعارض التقاليد السائدة ويستبدلها بحقائق جديدة أفضل وأجمل.. (وأنا شخصيا على قناعة بأن الخروج عن المعتاد هو نصف الإبداع) !
ومن صفات المبدعين المهمة قدرتهم على تجاوز المشكلة وإعادة ربط العلاقات.. فمن الملاحظ أن كثيرا من الاختراعات والاكتشافات كانت تطويراً لشيء موجود أو سبق اكتشافه . والعبقري يستطيع تطوير "ما سبق" لأنه قادر على رؤية النقص وتجاوز المشكلة المزمنة في هذا الاختراع أو ذاك الاكتشاف..
فعلى سبيل المثال ، المروحة الرأسية مسئولة عن سحب الطائرة إلى الأمام ، ولكن (سيكورسكي) أعاد تنظيم المشكلة ونظر إليها من زاوية جديدة فوضع المروحة بشكل أفقي واخترع طائرة الهليوكوبتر !
... إذاً ؛ هذه أبــــرز (وليست كل) الصفات الشخصية التي لوحظت لدى العباقرة والمبدعين.. وبالطبع يمكنك الاكتفاء بقراءتها .. ولكن إن كانت لديك رغبة حقيقية في أن تتأصل ضمن شخصيتك فتمعن بها مجددا وحاول تطبيقها في حياتك اليومية (حتى تصبح "جبلة" تظهر بشكل تلقائي)...
أتمنى لكم الفائـــدة ,,