المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة لم تسمع بها ( متجدد يوميا )


ata
11-23-2007, 03:27 AM
احبابي رعاكم الله .....

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...


سأنقل لكم في هذا الموضوع بشكل يوم .. قصص مؤثرة .. تصلني عبر الجوال يوميا عن طريق جوال بيوت مطمئنة الذي يشرف عليه فضيلة الشيخ الدكتور عادل العبدالجبار ..

طبعا وصلتني الأيام الماضية مجموعة قصص اخترت لكم هذه القصة .. وسأزودكم بالجديد ...

(( دعواتكم للدكتور عادل ,, ولكل القائمين على جوال بيوت مطمئنه ,, بسعادة الدارين ..... ))


أترككم مع القصة ...


" دموع حارة "..................


فصول قصتي مؤلمة جدا .. وكانت بالضبط قبل ساعتين ونصف .. والدليل أن رائحة .. ما يعطر به الميت من المسك لا تزال لصيقة بجسدي وثيابي سامحوني السطور المقبلة .. مؤلمة .. ولكن أرجو أن تكون عباراتها .. فيها من العبرة ... والقصة ساخنة وعوالقها حديثة لدرجة أن تراب المقبرة لا يزال بقدمي ورائحة الميت لا تزال في ثيابي .. وصورته فيما ستقرؤون أمام عيني ..قولوها وكرروها : لا إله إلا الله .. سافرت للمدينة النبوية وكان لقائي الأخير به – رحمه الله – قبل شهرين ودعته كعادتي .. وداع عائد .. وفرق بين وداع العائد ووداع المودع .. ولم أظن ولا لحظة أنه سأودعه هذه المرة ولن أراه إلا وهو مسجى .. في مغسلة الأموات .. !! أبو أحمد .. رحمه الله رجل عرفه من حوله في العمل الخيري .. حبيب كثير الابتسامة لطيف الدعابة .. كبير نوعا ما تجاوز الخمس والأربعين .. حسب كلام بعض الإخوة .. مصري الجنسية .. يعمل في المملكة في أحد مؤسساتها الخيرية براتب دون المتواضع .. وله أسرة .. أكبر أبنائه جامعي .. وعنده صغار في السن .. بنين وبنات .. كم نحبه .. ؟؟ ونحب داعبته ؟؟ كان جبلا رغم مشاكله التي يصعب على أقرانه تحملها ... كان حالته المادية غير جيدة ... وفوق هذا أحد زملائه في العمل .. أرد الزواج .. فدعمه بملغ لا يصدر ممن مثله وفي وضعه المادي ..
آخر حوار كان بيني وبينه .. وكان يقنعني بالزواج ؟؟ كان مهذبا في حواره كثيرا ... ولا يتشنج .. كان رائعا .. وكلماته مضيئة .. وله معي وقفات طريفة .. نزل من عيني دمعها من شدة الضحك .. رحمه الله لعلكم الآن ولو شيئا بسيطا أدركتم ..؟؟ ماذا يعني لنا العم أبو أحمد ؟؟ عدت من المدينة النبوية لأهلي .. وسلمت على لأحباب كلهم في المؤسسة الخيرية .. وافتقدت أبا أحمد – رحمه الله – لأني أحبه وكان رحمه الله يقول والله يا أخي إذا جيت تعود لنا البسمة والفرفشة .. وتغير علينا الجو الروتيني .. !! آه رحمك الله .. هذا الكلام السابق من عودتي قبل يومين وإذا برسالة تأتيني أمس الجمعة .. هذا نصها – تعيشون معي الفصول كما هي – أخوكم أبو أحمد رفيقنا في المؤسسة يطلبكم السماح فقد توفي اليوم بعد المغرب وستحدد عليه الصلاة لاحقا

إنا لله وإنا إليه راجعون . المرسل أبو معاذ ( مدير المؤسسة التي يعمل فيها المتوفى ) تخيلوا معي .. وفي لحظات أنت تترقب فيها رؤية أكثر الناس أنت شوقا إليه .. ويأتيك خبر وفاته !! بقيت فترة طويلة وأنا لم أصدق هذا .. من الدهشة لا أدري .. ! نمت بين المصدق والمكذب .. وجاء يومنا هذا السبت .. وذهبت للمؤسسة التي يعمل فيها المتوفى .. قابلت الإخوة وقد خيم عليهم الحزن .. ومررت مرورا غير مقصود بأحد المكاتب لأجد ... مكتب ( أبا أحمد ) خاااااالي !! لم يداوم ذلك اليوم .. فدوامه اليوم عند أرحم الراحمين .. لا إله إلا الله ... محمد رسول الله .. رحمك الله يا أبا أحمد . في أثناء وجودي هناك وإذا بأحد الزملاء يسألني .. قال تريد تراه ؟؟!! قلت نعم ولكن كيف ؟؟ قال : تعال معي نذهب للمغسلة – مغسلة الأموات – ؟... فهم يغسلونه الآن ؟؟ قفزت للسيارة أريد رؤيته .. ؟؟ وانطلقنا لمغسلة الأموات التي سنكون أنا وأنت في أحد الأيام ضيوفها ..

فلا إله إلا الله .. فعلا وعلى عجل ... إذا نحن عند مغسلة الأموات ... لم أتوقع أني سأقابلك يا أبا أحمد وأنا عائد من سفري .. هنا .. في مغسلة الأموات ... !! عزيت من وجد من إخوانه .. وقلت وين أبو أحمد ؟ قالوا اسحب سلك الباب وادخل ... !! نظرت إلى باب المغسلة .. ولأول مرة في حياتي أدخل مغسلة أموات ..فضلا عن رؤية ميت يغسل أمامي كان الأمر مرعبا نوعا ما ..؟؟ وأعظم من ذلك الرعب كان حزينا .. دخلت ما بين مدهوش وخائف .. ومودع يودع حبيبه .. ستار أمامي من أعلى السقف إلى القريب من الأرض من ثلاث واجهات وهو الذي يفصل بيني وبينه رحمه الله وإذا بآيات القرآن تعلو تلك الأجواء الإيمانية من رؤية حقيقة الإنسان .. وأن ينظر الحي هناك لمرحلة سيصلها حتما ويقينا .. والمسألة بينه وبين ذلك الموضع .. مسألة وقت سينتهي قريبا .. ذهبت من خلف الستار .. لأرى اثنين قد اجتمعوا على الحبيب أبا أحمد .. وقد وضعوه على شقه الأيمن ... يريقون عليه الماء .. آآآه يا أبا أحمد ... أتعرف – أخي القارئ – ما معنى أن ترى حبيبا لك .. وهو ميت قد تجمدت أطرافه في ثلاجة الموتى .. قد تجمدت نظراته .. ملامح وجه .. تعلو لحيته كرات من الثلج بقية .. من الثلاجة .. على محياه ابتسامه .. !! مغمض العينين .. كم تمنيت أن أراه ..؟؟ وهو يبتسم لي ليتني أظفر منه بكلمة بنظرة ... ولكن هيهات .. تضاربت مشاعر معرفتي لمصيري .. بشغلي بفقده ..غسلوه .. وكان بجواري ولده الجامعي ( أحمد ) ينظر لوالده .. بين المصدق والمكذب .. لم يبك .. ولم تنزل من عينه قطرة .. تدرون لماذا ؟؟ من شدة الموقف .. لا يدري ماذا يصنع ؟؟ يرى الناس تقلب والده ويغسلونه وهو لا يري فقط ينظر لوالده ..؟؟ حالته جدا محزنة احتضنته وعزيته ... قال : جزاك الله خير .. وعاد في صمته .. آآآآه .. تلاوة القرآن ترفع .. بصوت القارئ المحيسني .. بصوت خاشع .. كان تزيد التأثر كثيرا والله المستعان .. كفنوا حبيبي أمام عيني .. وحملته مع من حمله .. إلى الجامع لنصلي عليه بعد صلاة الظهر .. المهم .. فعلا .. وكان الموقف المؤثر الآخر .. كبرت لسنة الظهر وصليت ولما انتهيت .. نظرت عن يميني في الصف الذي أمامي لأجد من ؟؟ عبد الله ... من هو عبد الله ؟؟ يدرس في الصف الرابع الابتدائي ... والمحزن أكثر أنه ... ابن المتوفى الصغير ( آخر العنقود ) .. وابنه الأصغر .. والذي حظي من والده رحمه الله بالدلال المضاعف والدلع الكثير .. جالس بين الناس .. ضعيف حالته محزنه .. كأنه يظن أنه في حلم .. ينظر يمينا وشمالا للمصلين وأحيانا ينظر إلى جنازة والده .. أحزنني كثيرا ... كدت أبكي حينما رأيته صلينا وانطلقنا مع والده ... نحمله نحو المقبرة .. للشهادة والأمانة .. كانت جنازته مسرعة جدا ... لا أدري كيف هذا ؟؟ حملنا حبيبنا ... ولم يستطع ابنه الكبير حمله فهو يحتاج لمن يحمله .. تخيلوا ابنه الجامعي لا يتكلم .. فقط ينظر .. للجنازة .. أما ابنه الصغير فليس عنده من يجبر خاطره .. يبكي لوحده .. ولوحده .. لا يجد من يحضنه .. تخيلوا يسير مع الناس يريد أن يحمل جنازة والده .. ولكنه صغير والجنازة ثقيلة وعالية .. يجري ولا يدري .. كيف يلامس جسد والده ... أتشعرون معي لمرارة الحرمان ؟؟ وأحيانا هذا يدفعه .. وهذا ربما ينهره .. لا يعرفون أنه ابن المتوفى ..

كأنه تائه .. !! موقف لا يتحمله الكبير فضلا عن هذا الطفل .. لا إله إلا الله .. انشغلت عن أبي أحمد .. برؤية هذا الطفل وأخوه الكبير .. وصلنا للقبر ... ووضعنا الجنازة وأدخلها الموجودين .. وابنه سااااكت وعينه مدهوشه .. أما فتحة القبر ... وأخوه الصغير ينظر ممسكا بأخيه ويبكي .. !! لا إله إلا الله .. دفناه ودعينا له .. وذهب ابنه من بيننا يهادى بين الناس لا يدري ماذا يفعل هل هو فوق الأرض ؟؟ نظراته نظرات المفجوع ..تصرفاته غير طبيعية .. من هو المنظر .. وأما الصغير فهو ذهب بين الناس كالغريب ... ودع والده ..

وذاق من ألم الحرمان في الساعات الماضية ما يكفيه ... مما هو مقبل عليه من حرمان ... وشراسة الحياة ..
لا إله إلا الله .. المهم .. ودعنا الجميع وعزينا الجميع .. ذهبنا لحياتنا وتركنا حبيبنا تحت أطباق الثرى ..
رحمك الله أبا أحمد .. ويرحمني ربي إن صرت مكانك وثبتني وإياك .. وكل من يقرأ هذه الرسالة والمسلمين والمسلمات .. وداعا أبا أحمد........................


"جوال بيوت مطمئنة"
"قصة لم تسمع بها "
أرسل رسالة فارغة إلى الرقم 88503
إشراف د.عادل العبد الجبار


غدا .... أنقل لكم قصة واقعية مؤثرة أخرى ,,,,

دفء المشاعر
11-23-2007, 03:38 AM
جزاك الله الخير والعافيه

وجعله في ميزان حسناتك

موضوع فعلا يستحق التثبيت

دفء المشاعر
11-23-2007, 03:44 AM
مع الاسف لم استطع اكمال قرات القصه

نبض الخواطر
11-25-2007, 03:45 PM
جزاك الله خير استاذ عبدالله
وجعل ذلك في ميزان حسناتك ..
حفظك الله

stn555
11-25-2007, 03:54 PM
جزاك الله خيرا يا اخي عبدالله على هالقصة ............وبانتظار الجديد

اللهم الفردوس
11-25-2007, 04:22 PM
قصه مؤثره جدا
جزاك الله خير وجعلها في موازين حسناتك

ata
11-25-2007, 06:50 PM
كل الشكر لكم جميعا ...........

اللهم انفع بي وبهم ........

القصة الثانية ....


"غرفة الحسناء"


وجبَ قلبُه ، وتصاعدَ نفسُه ، واحتمى جسمُه، وتجافى جنبُه...وسهدتْ عينُه...! فطفقَ يطوفُ حولَ سريرِه!!ويحومُ في غرفتِه!! مستثقلا دقائقَ الليلِ وساعاتِه ...!!! كأنّ الليلَ قدْ غرسَ قواعدَه في قلبِه ، وأقامَ قصرَه على صدرِه ! فلنْ يتقدمَ ولن يتأخرَ! فوقفَ فجأةً وسطَ دارِه! وحدَّ نظرةً شاردةً إلى النافذةِ وأخذَ يقولُ لنفسِه بضعفٍ وحزنٍ : كمْ عذبتْ قلبي بصدّها ! كمْ قرحتْ أجفاني بتمنعِها !

كمْ فتتْ كبدي بهجرانِها ! أخيرًا ابتسمتْ! وقالتْ موعدُنا الليلةَ إذا مالَ ميزانُها، وقرتْ العيونُ،واطمأنتِ الجنوبُ..!! أخيرًا ضربتْ لي موعدًا وتهيأتْ..!! فازدادَ خفقانُ قلبِه ووجيبُه! حتى أوشكَ أن ينخلعُ!فما احتملتْه رجلاه، فوقعَ على حاشيةِ سريرِه، وشخصَ ببصرِه إلى ضوءِ المصباحِ المرتعدِ وقالَ: تبا لكَ أيها الحبّ! قد هددتَ جسمي، وثقبتَ قلبي، وكدرتني بنومي، ونغصتني بطعامي، وشرقتني بمائي ! تبا لكَ أيها الحبّ! قدْ جعلتني مدلّه العقلِ، حائرَ الفكرِ،يستصغرني نابهُ الصبيانِ! ويتنقصني صغيرُ الناسِ! فتنهدَ..!! وامتلأ وجهه دما من الهمِ، والقلقِ، والحزنِ، والأرقِ، فنفثَ نفثةَ مصدورٍ ، أطفأتِ المصباحَ، وجللتِ الغرفةَ بالسوادِ..!! فاعتدلَ وتململَ واضطربَ،حتى جفَّ ريقُه فشرقتْ عينيه بالدموعِ! وقالَ: ما كنتُ أعلمُ أنّ نظرةً تلصقُ شغفَها بأحشائي ! وأنّ كلمةً تخيطُ عشقَها بجوفي! إنّ في صدري منها لأحرّ من الجمرِ !


آآآآآه..! حبُّها وطلبها ، يتضاعفُ ولا يضعفُ !! ثمّ قامَ على طولِه..!! وقالَ بوجلٍ :ولكنْ من قال أنّها من طلابِ الوصلِ،التي تريدُ كمالَ الأماني ومنتهى الأراجي؟! ربما يكونُ وعدُها هذا وعيدًا وكمينا دنيئا!! ربما تريدُ إذاعةَ أمري، وفضيحتي ، لتفوزَ بالعفةِ والشرفِ، والدرجةِ السريةِ عندَ الناسِ..!! فأُرْعشَ وانتشرَ في أضلاعِه الخوفُ!! وصرخَ: لا ...لا...لا..!!! أنا لمْ أخنها بالغيبِ ! أنا أحبُّها بكلِّ أجزاءِ قلبي !! وكنتُ وفيا لها أحجبُ نفسي عن غيرِها !! أتخونني بعدَ كلِّ هذا الإخلاصِ !!! فشهقَ شهقةً وسقطَ! وجعلَ يبكي...ويبكي ويبكي... حتى ارتوى ما تحتَه!! فلما انساحتْ فضةُ القمرِ إلى بطنِ دارِه انتبهَ..!!


وتنفسَ الصعداءَ..!!فقصدَ الماءَ ، وغسلَ وجهه، ثم بدلَ أثوابَه، وتطيبَ وتبخرَ، وسرى يؤمُ دارَها، ويقصدُ بيتَها، وأجفانُه شرقةٌ، وصدرُه ملتهبٌ ،وأحشاؤه متقدةٌ! وكلما دنا تضاعفَ شوقُه وألمه! يقربُ الشوقُ دارا وهي نازحةٌ =من عالجَ الشوقَ لم يستبعدِ الدارَ! ثم فترتْ همتُه..! فقدْ اخترقَ الوجلُ حجابَ قلبُه..!! وتمتمَ بكلماتٍ : وإنْ أوجسَ أحدٌ منّا خيفةً...!! ، أو وقعَ بصرُ الشُّرطِ علينا..!! إنِ استيقظَ سيدُها..!! ، أو أحدُ جيرانِها..!! إنْ ارتابَ مخلوقٌ من دخولي...!! أو تنبه أهلُّ الحي لمجيئي..!! إنْ صرختْ..!! أو استغاثتْ..!! فأخذته الهواجسُ واسودّ وجهه وصاحَ : لا ...لا...لا..!!! هي ليستْ خائنةً غادرةً..!! هي لا تخونُ ولا تكذبُ...!!هي لا تخونُ ولا تكذبُ...!! هي...فجثا...هي...!! وبكى... وبكى... وبكي...!!! ثم جاهدَ نفسَه! وزجرَ وساوسَه التي أسقمته وأذلته!


فأخذَ في سيرِه حتى وصلَ بعد أُمّةٍ، وأخذَ يلاحظُ ويراقبُ منزلَها، فخفقَ قلبُه وعاودتُه همومُه وأسقامُه وأشواقُه، وكفَّ عينيه عن البكاءِ..! وتفاءَل باللقاءِ.. وبنعيمِ النفسِ، وبقرةِ العينِ حتى سكنتْ روحه وقالَ: أأعتلي حائطَها وأتسورُ جدارَها ؟! أم أعالجُ البابَ وألجه؟! كم أنا مأفونٌ لم أُدر الرأي في الدخولِ! ولم أوصها بتركِ البابِ مفتوحًا..!! ثم عزمَ واستجمعَ أمرَه، على التسورِ والتسلقِ ثم التدلي من خلالِ نافذتِها..!! فتشبثَ بالحائطِ، وأخذ بالتسورِ، حتى أطلّ على غرفتِها...!! فلما وقعَ بصرُه عليها، تحادرتْ دموعُه فبللتْ ثيابَه..!! فأخذَ حصاةً بيدِه المرتعشةِ، ورجمَ النافذةَ ، فما هي إلا دقائقٌ حتى رأى ضوءَ المصباحِ يعمُ أجوازَ الغرفةِ، وعَرفَ الطيبِ يُفغمُ خياشيمَه! فرجفتْ أطرافُه، واختلتْ! وكادَ أن يسقطَ على هامتِه...!! وبينا هو كذلك ! إذْ سمعَ صوتا خافتا..!! لم يتبينهُ في صدرِ الأمرِ، لكنْ علمَ أنّه تلاوةٌ نديةٌ لقائمٍ يصلي، في هذا الليلِ البهيمِ، فلمْ يحفلْ ولمْ يصغِ، لأنّه اعتادَ السماعَ في الليالي التي يخرجُ فيها للسرقةِ أو لقطعِ الطريقِ...!!


فلما همّ بالتدلي من نافذةِ الغرفةِ..!! تبينَ في أذنه تلاوةُ هذا القارئ، فأصغى فإذا فيها : ....غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالينَ آمين... قالَ : هذهِ سورةُ الفاتحة!! _ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" ...للهِ هذا الصوتُ ما أجملَه !!! فأخذهُ جمالُ الصوتِ، وحسنُ الترتيلِ، فاستمعَ بكلِّ حواسِه،حتى وصلَ القارئ ُ إلى قولِه تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ " فاهتزتْ نفسُه..!! وكأنّ هذا الخطابَ وجهَ إليه..!! ودخلتْ هذهِ الآياتُ الكريماتُ حجابَ قلبِه و غلافَ تفكيرِه.!! وملأتْ نفسَه وجوانحَه...!! فكأنّه تنبَه من سِنةٍ...!! فألقى الشيطانُ في قلبِه : لا تكنْ مأفونًا ذا أذنٍ سميعةٍ..! فالعشيقةُ قدْ تهيأتْ وتجملتْ..!! ولم يبقَ إلا شفًى... فتلتقيانِ وتنسيانِ... الأنكادَ والأكدارَ...!! هيّا ...هيا ...انظرْ إلى غرفتِها إنّها مضاءةٌ ... إنّها في الداخلِ...!! فنظرَ...!! فتذكرَ حبّه لها وشغفَه بها، وأنّه قدْ أفنى وقتَه وصحتَه، من أجلِ أن يحظى بهذهِ اللُّبثةِ..!! وبهذهِ الساعةِ...!! _ هيّا... هيا... اللهُ توابٌ رحيمٌ...هذهِ المرةُ فقط...ولنْ يضيركَ شيءٌ...اعلمْ أنّ زهدكَ لن يفيدَك وأنتَ صاحبُ لغوٍ وعبثٍ وخرافةٍ!!ولن تنقلبَ بسببِه من عاصٍ إلى عابدٍ..!!


إنّ الذي ستجنيه هو الفواتُ والضياعُ...!!! فنازعته أهواؤه واختلّ توازنه وخالجته الحيرةُ وأتعبَ قلبه الترددُ فاُنْتُهِبَ منه الصبرُ فصرخَ: _ بلى ياربُّ...! بلى ياربّ...! بلى ياربّ...! فنزلَ متنقصا نفسَه الحيوانية! محتقرا عقلَه الشهواني..!! فأرخى عينيه بالبكاءِ وقالَ: واااه على أيامٍ غافلاتٍ!! لم تزدني شهوتي إلا عطشًا وولعا...!! فكنتُ كمن أراد إخمادَ النارِ بالهشيمِ...!! فتصعدَه الأمرُ وشقّ عليه، فسارعَ إلى البيتِ وهو يرددُ: بلى ياربّ قدْ آنَ! بلى ياربّ قدْ آنَ! بلى ياربّ قدْ آنَ! فتابَ واغتسلَ، واستقبلَ القبلةَ، وأخذَ يناجي ربّه، فانساحتْ نفسُه ، وسكنتْ بلابلُها ! ولما سجدَ شعرَ بجبلٍ كانَ على ظهرِه فبُسّ بسًا! كأنّه غُسلَ بالماءِ والثلجِ! شعرَ بالأمانِ والراحةِ!وبالفرحِ والغبطةِ! أحسّ بالشموخِ والعزةِ! وبالمجدِ والأنفةِ! سجدَ فذاق النعيمَ واللذّةَ! وفرغَ قلبَه من القلقِ والكآبةِ ،وامتلأ بحبّ اللهِ ـ عزّ وجلّ..!! وحبّ رسولِه ـ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ـ وتعظيمهما...!!
سجدَ..!! فقالَ عنه التاريخُ : الإمامُ شيخُ الإسلامِ الثقةُ المأمونُ الثبتُ الحجةُ الصدوقُ الزاهدُ العابدُ الصالحُ!
عدّه ابنُ تيميةَ منْ أئمةِ السلفِ ومنْ أكابرِ المشايخِ ! قالَ إبراهيم بن الأشعث : ما رأيتُ أحدا كان اللهُ في صدره أعظمَ من (الفضيلِ) ! وقالَ سفيان بن عيينه : ما رأيتُ أحدا أخوفَ من (الفضيل) وابنه علي! وقالَ إسحاق بن إبراهيم الطبري: ما رأيتُ أحداً أخوف على نفسه، ولا أرجى للناسِ من (الفضيل). كانت قراءتُه حزينةً، شهيَّةً، بطيئة، مترسِّلة! وقالَ ابنُ المبارك: ما بقى على ظهرِ الأرضِ عندي أفضل من (الفضيلِ)! وقال الذهبي : الإمامُ القدوةُ الثبتُ شيخُ الإسلامِ (أبو علي)!
................................

stn555
11-25-2007, 08:29 PM
تشكر اخي عبدالله على القصة الثانية ..........

دفء المشاعر
11-25-2007, 08:37 PM
جزاك الله خير

وجعله في ميزان حسناتك

دنيا الأمل
11-25-2007, 09:18 PM
جزاك الله الف خير استاذ عبدالله على القصص الرائعه

جعله الله في ميزان حسناتك وكتب لك الاجر

ata
11-26-2007, 12:33 AM
الشكر لكم جميعا ولنا موعد غدا مع قصصة جديده

ata
11-27-2007, 12:13 AM
القصة الثالثة ....

إلى الله المشتكى ..!!

متفائل **

مررت بأزمة مالية، وليس من عادتي أن أسال الناس، فأصبت بهمّ وغمّ كبيرين.. ماذا أفعل؟ فعليَّ التزامات كثيرة، كما أن كثيرا من الناس يظن أني ميسور الحال، والحمد لله على ذلك.
وبدأ الأمر يزداد شيئا فشيئا، فلاحظ علي بعض المقربين مني ذلك، فأبحت ما في نفسي لهم بعد إلحاح شديد؛ فعرض علي بعضهم أن يعطيني بعض المال ولكني رفضت، ولم يكرر أحد منهم العرض مرة ثانية.


وربما أعلم أن حال الكثيرين من أصدقائي هو مثل حالي، فالحياة أصبحت صعبة، والمتطلبات كثيرة، والحالة الاقتصادية الكل يعلمها جيدا، ومازال الهم والغم يلازمانني، وأريد أن أنفك عنهما لم أكن أفكر في المال طول حياتي، لكن هناك ضغطا شديدا، ولما انسدت الأبواب كانت المفاجأة في نفسي أني أرفع يدي إلى الله أطلب منه، ولكن هالني ما فعلت، كيف لم ألتجئ إلى الله تعالى أول ما لجأت. وكان يمنعني حيائي أن أطلب من الناس شيئا، ثم تكلمت مع بعض المقربين مني، ولكن الله سبحانه وتعالى أقرب إلي من حبل الوريد، إنه يعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليه سبحانه شيء من أمري. دخلت حجرتي بعد أن توضأت وصليت لله ركعتين لله أخفف بها عما في نفسي .

ثم بدأت أتكلم إلى الله، لم أكن أتحدث باللغة العربية الفصحى، وإنما أتحدث إليه سبحانه بلغتي المعتادة، وجدت مشاعري وأحاسيسي تسبقني قبل كلماتي، وجدت قلبي ينطق لأول مرة مع ربي.. يا له من إحساس جميل، بدأت أستشعر قرب الله مني، وأتذكر بعض آيات من القرآن الكريم، وكأنها تمر بخاطري لأول مرة: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم
يرشدون". جعلت أقف عند كلمات الآية (سألك عبادي) أنا من عباد الله، أضافني الله تعالى إليه، إنه شرف كبير.. كبير جدا، أنا عبد لله، مع أني أعرف هذا المعنى، لكنه كثيرا ما يضيع مني، وما دمت عبدا له سبحانه، فما الذي يجعلني أنسى مولاي؟!.. فإني قريب) جعلت أردد كلمة قريب، أستشعر مد الياء في الكلمة (قريب)،

نعم الله قريب مني، علمه أحاط بكل شيء، ولا يخفى عليه شيء، فأنامنه،وإليه، ومادام -سبحانه- قريبا مني، فهو عالم بحالي (يعلم السر وأخفى) (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) (أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) (وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ).. ثم نظرت إلى قوله تعالى (أجيب دعوة الداع إذا دعان) سواء أكان الإنسان في حاجة إلى ما يسأل الله، أم يمكن له الاستغناء عنه، وأنا في حاجة إلى الله تعالى. حال الصالحين حين الضيق وتذكرت عطاء الله تعالى لخلقه.


وتبادر إلى ذهني رحلة موسى -عليه السلام- إلى مدين حين هاجر إليها ثم سقى للفتاتين الصالحتين وجلس تحت ظل شجرة وكلم الله تعالى سائلا إياه (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) وكأني وقعت على كنز؛ فظللت أردد: (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) (رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) وظللت أكرر الآية وأستشعر فقري وحاجتي إلى الله تعالى. كما تذكرت دعاء قرأته في أحد الكتب: اللهم هب لي من الدنيا ما تقيني به فتنتها، وتغنيني به عن أهلها، ويكون بلاغا لما هو خير منها، برحمتك يا أرحم الراحمين.


وتذكرت ذلك الصحابي الذي مكث في المسجد في غير وقت صلاة، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب مكثه في المسجد في غير وقت صلاة، فأخبره الصحابي بما أصابه من هم وما أثقله من دين، فنصحه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول ثلاث مرات عند كل صباح وكل مساء هذه الكلمات النورانية: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال". وبعدها شعرت براحة نفسية. كما جاءني حسن ظن كبير بالله تعالى وأنه سيفرج كربي.


وبالفعل لم يمض وقت طويل حتى فرج الله تعالى كربي، وقضى عني ديني. بعيدا عن الديون لم تكن قضية الدين هي التي شغلتني بقدر ما شغلني أني خرجت بتجربة ناجحة، وهي الكلام إلى الله، والالتجاء إلى الله وقت الشدائد قبل الالتجاء إلى الناس. نعم، من الإسلام أن يتعاون بعضنا مع بعض، وأن المسلم لأخيه كالبنيان، لكن أول ما يلجأ المسلم يلجأ إلى مولاه، العالم بأسراره، المطلع على حاله، الذي بيده كل أمره. وقد طرأ على ذهني هذا السؤال: لماذا لا نلجأ إلى الله؟ ولماذا لا نجري حوارا مع ربنا، نشكو إليه فيه همومنا وأحزاننا؟ لماذا نضع هذا الحاجز والحاجب بيننا وبين ربنا؟! إنه سبحانه يتنزل إلى السماء الدنيا كل يوم لينظر حاجة الناس: "هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له، هل من كذا، هل من كذا... حتى يطلع الفجر.

وقد كان الالتجاء إلى الله والشكوى له سبحانه من الأمور التي يداوم عليها رسولنا صلى الله عليه وسلم، فحين رجع من الطائف بعد أن أوذي وجرحت قدماه وجلس تحت بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة شكا إلى الله حاله بهذه الكلمات: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم تكن ساخطا علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أضاءت له السموات والأرض، وأشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تحل علي غضبك، أو تنزل علي سخطك، ولك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك.

كما أن هذا كان حال كل الأنبياء، فهذا يعقوب عليه السلام حين فعل أبناؤه ما فعلوه من خطف يوسف عليه السلام والكيد له، وحين أخذ ابنه الآخر وتذكر يوسف وبكى عليه، فعاب عليه القوم أنه مازال يذكر يوسف، فقال لهم (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله. نعم، نحن في حاجة لأن نشكو بثنا وحزننا وهمنا إلى الله تعالى، فلنجرب ولنطرق باب الله تعالى، شاكين له همنا، وشاكين له غلبة نفوسنا علينا، وغلبة أعدائنا، فإن الله تعالى سيجعل لنا من أمرنا يسرا، ويرزقنا الأسباب التي تكون مفتاح فرج لهمنا وكربنا. فما أحوجنا إلى الله، وما أقرب الله منا، وما أبعدنا عن الله، فهلا اقتربنا من الله، وناجينا الله تعالى؟! وبعد.. تكلم إليه وأحسب أن الخطوة العملية التي يمكن أن نخرج بها هي: أن نتكلم إلى الله، وأن نناجيه سبحانه.. نشكو إليه أمرنا وحالنا، حتى تتحقق فينا العبودية الصادقة، ونكون من عباد الله الذين قال فيهم (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب. فلنجرب أن نشكو حالنا أول ما نشكوه إلى الله، فسيفتح الله تعالى لنا أبواب يسره، فمن ذا الذي دعاه فلم يجبه، ومن الذي طلبه فأعرض عنه؟! ففروا إلى الله

................................
"قصة لم تسمع بها "
إشراف د.عادل العبد الجبار
انتهت القصة

دفء المشاعر
11-27-2007, 02:17 AM
سبحان الله

القليل منا من يلجأ الى الله عند المصائب وضيق الحال

جزاك الله الخير والعافيه

احساس طفلة
11-28-2007, 12:07 AM
جزااااك الله ماتستحقة

يسلمووووو

دنيا الأمل
11-28-2007, 12:15 AM
جزاك الله الف خير استاذ عبدالله


قصه رائعه

ata
11-30-2007, 07:38 PM
بضيف لكم .. قصية جديده اليوم ... فيها من العظة والعبرة ,,,, والحزن الشيء الكثير ..

طبعا اليوم بكتب لكم الجزء الأول ... (( وانا عارف ان فيه أعضاء ومشرفين راح تدمع عيونهم ... لكن أقول للي بتدمع عيونه ,,, يوفر للجزء الثاني بكره . . . . ))

أترككم تقرأون ... أنصحكم بإكمال القراءه ..

"..قصة مها .."[/grade]

الجزء الأول ....
د.عادل العبدالجبار

ملحوظة هامة :....

نعتذر عن بعض الكلمات العامية....


كنت أول الخارجين من صالة الطعام .. اتجهت مباشرة إلى مقعدي في تلك الزاوية الهادئة من القاعة .. كان معظم الموجودين في الصالة من الأشبال الصغار .. لفت انتباهي شجار بين طفلين .. كانا يتعاركان بشدة و معظم الأطفال حولهما يشيدون بأعلى أصواتهم : ياسر .. ياسر .. و يبدوأن ياسر هذا كان هو المنتصر في العراك .. أبعدت الأطفال المتجمهرين و فصلت بين المتعاركين .. يبدو أن ياسر لم يبذل مجهوداً كبيراً في العراك لفارق السن و ضعف خصمه الذي نال كما هائلاً من الركل و الضرب من ياسر و من غيره من المتجمهرين .. كان أبيض اللون مشربا بحمرة .. قد صبغت آثار العراك وجهه وأذنيه خاصة باللون الأحمر و الأحمر الداكن .. استعطفتني دمعتان كان يغالبهما بإصرار حتى لا يقال له من أقرانه " صاح .. صاح .. " صحبت الطفل إلى مكاني في القاعة .. كان وجهه ينم عما يعانيه من ارتباك وخوف .. ولم يكن في ملبسه ما يوحي إلي بحرص أهله على تربيته التربية الصالحة .. فابتسمت في وجهه ليطمئن و قلت له بلطف : " وش اسمك يا بطل ؟ " - " معاذ ما شاء الله معاذ بن جبل " أطرق باسما فتبسمت وأنا أمسح على رأسه و قلت : " بأي صف تدرس ؟ ثاني " - " ما شاء الله .. تعرف قصة معاذ بن جبل ؟" أومأ برأسه بالنفي و ابتسامته ترتسم على وجهه الجميل .. بحثت عن شيء أشجع به هذا الطفل فلم أجد سوى قلمي الذي أهدته لي زوجتي قبل أيام .. أخرجته و هو أغلى عندي من قلبي و لكن احتسبته عند الله في نفع هذا الطفل و الإسهام في تنشئته نشأة الأبطال .. عرضت له قلمي بطريقة مغرية .. قلت له : " إذا قرأت قصة معاذ بن جبل راح أعطيك أحلى من هذي الهدية " ... رفع عينيه و نظر إلي و ما زالت ابتسامته الجميلة تزيد وجهه المشرب بالحمرة نظرة و جمالا ... كانت عيناه تحدثاني بهمة تكسر الصخور و تثبت لي أنه سيفعلها و سيقرأ القصة بقلبه لا بلسانه فقط ... أخذ القلم مني و قلّـبه بين يديه ثم رفع عينيه إلي و كأنه يقول : " سآخذه بحقه " ...


رن هاتفي الجوال .. نظرت إلى المتصل ( دلال الغالية رعاها الله ) .. قلت في نفسي " الطيب عند ذكره ... خفنا منها و هاهي تتصل “... - نعم - السلام عليكم - و عليكم السلام .. سمي - أحمد .. تعشيت ؟ تقدر تمرنا الحين ؟ ترى معانا ضيف الليلة - كيف ؟؟ من ؟؟ طيب .. طيب .. وبعد دقائق كنت عند باب القاعة النسائية فخرجت و معها فتاة تبدو في السابعة عشر أو الثامنة عشر من عمرها و عليها عباءة مخصّرة ... ركبت زوجتي دلال في المقعد الأمامي .. و ركبت تلك الفتاة في المقعد الخلفي .. سلمت دلال و هي تضحك و قالت : " معنا اليوم ضيف سيذهب معنا البيت و ينام عندنا " ... قلت بصوت خافت " ياهلا و مرحبا " و آلاف علامات الاستفهامات تدور في رأسي عن هذا الضيف الغريب .. تحركنا باتجاه شقتنا الصغيرة و كانت دلال تسألني عن الزواج و الحضور و أجيبها و أنا منشغل الفكر عنها بمن تكون هذه الضيفة!! .. اقتربنا من ركن العثيم ( سوبر ماركت ) فقالت لي دلال : " أحمد باليت توقف الله يعافيك نبغى أغراض " .. أوقفت سيارتي فقالت لي : " عطني قلم أكتب لك الأغراض " ... تمنيت أن تطلب مني أي شيء سوى القلم و خاصة في مثل هذا الوقت فكيف أفهمها و معنا هذه الضيفة .. فارتسمت على وجهي علامات البراءة و بدأت أنظر إلى جيبي .. نظرت دلال إلي جيبي بحدة و استغراب و قالت : " وين قلمك ؟ " ... آآآه الآن وقعت في ورطة كيف بإمكاني أن أبين لها ؟!! نزلت من السيارة بسرعة حتى لا تفقد أعصابها أو تأخذها نزوات الغيرة فتنسى أن معنا هذه الضيفة ... اتجهت إلى نافذتها وعرفت منها الأغراض المطلوبة و عيناها ترمقاني بكل حدة و عتاب ... حمدت الله كثيرا على أن هذه الضيفة معنا .. مع أنها ستحرمني من زوجتي هذه الليلة ... وصلنا إلى الشقة و نزلت زوجتي و ضيفتها في مجلس النساء و أغلقتا عليهما الباب .. اتجهت إلى غرفتي و تجهزت للنوم و بقيت أنتظرها لأخذ الأخبار .. فاستفهامات كثيرة تدور في رأسي .. من هي الضيفة ؟ و لماذا جاءت لتنام عندنا ؟ و كيف تلبس العباءة المخصرة ؟ و أشياء كثيرة ...

فكرت بأن أطرق الباب عليهما فتهيبت خروج دلال مغضبة و خاصة أنها غضبت لأنها لم ترَ قلمها في جيبي ... جلست أفكر و أتأمل .. ما أجبننا نحن الرجال ؟ ندعي القوة و نطلب الاحترام من كل أحد و نزأر كليث غاب .. فما أن يجن الليل علينا حتى نرتجف وجلاً من زوجاتنا و نردد في كل حين اللهم سلم سلم .. ذئاب في النهار و دجاج في الليل ... • • • أخيرا خرجت دلال من عند ضيفتها و استرقتْ النظر إلى غرفتي فوجدت النور ما زال مُضاءًا فأتت تستطلع الأمر .. سلمتْ و دخلتْ و علامات البشر و السرور تبدو على محياها ثم جلست بجانبي على السرير ... بدأنا نتجاذب أطراف الحديث و كنت أسألها عن ضيفتنا ... قالت : " و الله يا أحمد هذي البنت أديم قصتها قصة عجيبة .. يوم كنت بالقاعة رحت أغسل يدي و وقفت أطالع في المرآة .. دخلت أديم و وقفت بجانبي و بدأت تنظر إلي في المرآة .. ابتسمت لها و كأني أعطيتها إشارة بالتقدم فقامت و احتضنتني و بدأت تبكي بكاء مرّا .. تفاجأت من بكائها و بدأت أهدئها وأغسل وجهها بالماء إلى أن هدأت قليلا و ارتاحت بعض الشيء .. خرجنا من المغاسل و كنت ممسكة بيدها و لم أكلمها .. فقط كنت أنظر إليها و أتبسم و أشدّ على يدها .. جلسنا على إحدى الطاولات في آخر القاعة و بدأت أتحدث معها .. بصراحة كنت خائفة من أن أسألها عن سبب بكاءها .. لكن قلت في نفسي إن هي فتحت الموضوع و إلا لن أفتحه أنا ..

يا أحمد هذي البنت تقدر تقول إنها قدوة قريناتها بالتحضر و التمدن و حركات المراهقات .. فأهلها ما يقولون لها ( لا ) أبدا .. و المال مغدق عليها ليل نهار .. ومفتوح لها المجال على كيفها " ... قاطعتها و قلت : " إيه أنا مستغرب كيف ناس يخلون بنتهم تنام في غير بيتها .. ما أتوقع إن فيه أسرة تسمح أن البنت تنام خارج
البيت .. و غير كذا العباءة!! " ... أكملت دلال حديثها و قالت : " اصبر تجيلك القصة كاملة .. أقولك مفتوح لها المجال على كيفها .. المهم البنت يوم جلسنا على الطاولة قالت لي : " إني زهقت من نفسي و أحس بضيق و أنا ودي أتوب ودي أصير مثلك .. ودي أكون سعيدة و مرتاحة .. ودي أحس بطعم الإيمان بقلبي .. ذبحني الفراغ " .. و بدأت تخرج بعد ذلك كلماتها من قلبها بنبرة باكية .. " ذبحتني همومي .. ودي أتوب و ما أقدر .. أحاول أتوب بعدين أرجع لذنوبي .. ما قدرت أستحمل .. أحس إن الله ما راح يتوب عليّ لأني كل ما تبت رجعت .. و الله زهقت من نفسي ..." وانخرطت في موجة شديدة من البكاء ... هدأتها و سقيتها ماء بارداً ثم توقفتْ عن إكمال حديثها حتى ارتاحت بعض الشيء .. كنت أنظر إليها و أقول في نفسي الآن وقعت المسؤولية عليك يا دلال .. البنت تمد يديها إليك و تقول أنقذيني من ظلام المعاصي و أنا أتهرب .. لا و الله .. سأُحاسب على ذلك إن لم أساعدها .. فما بعد أن تنطرح بين يديك و ترجوك أن تأخذينها إلى طريق الهداية أي عذر عرضت عليها الذهاب معي إلى البيت حتى نعالج وضعها بترتيب ففرحت كثيرا .. فذهبتُ و إياها إلى أمها و كنت أتوقع منها الرفض .. فما أن عرضت عليها الأمر حتى قالت : " إذا أديم ودها بكيفها ؟ " .. صعقت بهذه الحرية المفتوحة .. فعلمت أن الخلل ليس بالفتاة بل ببيئتها و بيتها المتفلت ...." واستأذنتني دلال في المبيت مع ضيفتها أديم هذه الليلة ثم تركتني غارقاً في بحر أفكاري .. و قبل أن تهمّ بالخروج التفتت إليّ قالت : " أحمد وين قلمك ؟؟ " .. ضحكت لأنها لم تنس موضوع القلم فأخبرتها بقصتي كاملة مع معاذ ... أومأت برأسها و هي تبتسم و كأنها تقول : " ماشي .. بس محسوبة !! " ... ذهبت دلال إلى ضيفتها و كانتا قد اتفقتا على خطة تسيران عليها و اتفقتا على أنه لابد لكل شيء من أساس .. و لابد من إرادة قوية و عزيمة صادقة .. تتربى حتى تكبر و تقوى فتثبت أمام تيارات الهوى و الشهوات .. فالذي يريد أن يخوض معركة لابد له من أن يتجهز لها بالتدريب و السلاح و العدة .. كما أن التدريب يكون على شكل مراحل و مستويات حتى ينمو الجسم و يُبنى بناء صحيحا و قويا .. مرت سنتان على هذه الحادثة و رزقنا الله بعدها بمولودة كالقمر أسميناها مها ..


كانت أديم من أول المهنئين لنا في المستشفى .. سبحان مغير الأحوال .. أصبحت هذه الفتاة إحدى الداعيات إلى الله في بيتها و عائلتها و في أي مجلس تجلس فيه .. أصبحت تبذل من الأموال لدور الخير أضعاف ما كانت تبذله في سبل الهوى .. عندما علمت من دلال أن أهل القرآن هم أهل الله و خاصته أبت إلا أن تكون منهم .. و عندما علمت أن خيرنا من تعلم القرآن و علمه بذلت كل ما تستطيع لتتعلم القرآن و تعلمه بمالها و نفسها .. من رأى تلك الفتاة يرى أثر نور الإيمان في وجهها .. قالت أديم ذات يوم لدلال بعد أن عتبت عليها خوفا عليها من الإرهاق : " يا دلال .. كل ما بذلت للخير .. كل ما ارتحتْ و حسيتْ بسعادة لم أذقها في حياتي من قبل .. يا دلال .. كل لحظة ضيعتها في معصية الله الآن أتندم عليها .. لأني وجدت الراحة و الطمأنينة و الأنس في طاعة ربي و البذل لدينه" ... • • •


" دلال مريضة "

مرت بنا فترة عصيبة كانت خلالها دلال تلازم الفراش الأبيض منذ ولادة مها .. ثم خرجت من المستشفى بعد أن أمضت فيه عشرين يوماً و بدأت صحتها تتحسن يوما بعد يوم و الحمد لله ... كانت مها ريحانة قلبي و نبض فؤادي .. يبتهج البيت بصوتها و شقاوتها .. كيف لا وقد كانت دلال تربيها على الأدب من أشهرها الأولى فأتعجب لصنيعها .. طفلة رضيعة فكيف تتأدب !! .. و كانت دائما ما تقرأ القرآن و هي تحملها .. و تعلمها كلمات القرآن قبل أن تنطق .. حتى أني ذات يوم دخلت البيت فسمعت دلال تقرأ القرآن بصوت مرتفع .. فدخلت الغرفة أستطلع الأمر فوجدت دلال قد أجلست مها أمامها و كانت مها للتو قد تعلمت الجلوس و أسندتها على أحد الوسائد حتى لا تسقط على ورائها .. ثم جلست دلال أمامها و كانت تقرأ القرآن بصوت مرتفع و كأنهما تلميذ و أستاذه في حلقة تحفيظ .. استغربت من صنيع دلال بمها فقلت :" ما شاء الله عليكم فاتحين دار تحفيظ .." .. فقالت لي دلال و همة الأم المؤمنة تملأ عينيها : " أبغى مها تلبسنا تاج الوقار يوم القيامة بحفظها لكتاب الله" ... فأكبرت هذه الهمة العظيمة في هذه المرأة الصالحة .. وتذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم : " الدنيا متاع , و خير متاعها المرأة الصالحة " ... مرت السنوات و أصبحت مها في الثالثة من عمرها .. كانت زهرة تملأ البيت عبقا و عبيرا و أنسا .. و كانت أمها تملأ البيت إيمانا و ذكرا .. فما أحلى هذا البيت الذي أسس بنيانه على تقوى من الله .. تملأه السعادة و الطمأنينة .. و يخرج منه الخير و البر .. حتى أحبه القريب و البعيد .. و الغني و الفقير .. ذات يوم .. كانت مها تسير مع أمها في المستشفى .. فسمعتا امرأة تتأوه من الألم .. فسألت مها والدتها عن هذا الصوت .. فأخبرتها بأنها امرأة مريضة تتوجع .. فأخرجت صغيرتي من حقيبتها الصغيرة "ريالا" و ذهبت به إلى المرأة المريضة ثم أعطتها إياه و قالت لها : " يا عمة قولي بسم الله عشان يطيب !! " ... فذهلت المرأة المريضة من صنيعها .. فضمتها إليها .. وبكت صغيرتي من الخوف ... فما أحلاك يا حبيبتي مها .. لقد كنت داعية إلى الله بتصرفاتك الإيمانية في كل ميدان .. و حق لي أن أسميك الداعية الصغيرة ...


في أحد الأيام فجعتنا دلال بسقوطها متعبة و هي تؤدي عملها المنزلي .. أخذناها إلى المستشفى سريعا و لم يكن في الإسعاف إلاّ الطبيب المناوب فرفضت زوجتي أن يكشف عليها رجل مهما كلفها الأمر ..كنت أوافقها في إصرارها هذا .. لكن التعب و المرض جعل من وجهها المضيء وجها شاحبا شديد الاصفرار .. و مع كل دقيقة تمضي .. تزداد حالتها سوءا و يزداد وجهها اصفرارا .. فألححت عليها بأن يكشف عليها الطبيب و أنا معها .. فحالتها حالة ضرورة و لا تحتمل التأخر .. فرفضت رفضا قاطعا ثم رفعت يديها إلى السماء و قالت : "اللهم يسر أمري و أكتب الخيرة في عاجل أمري و آجله " .. رضخت لإصرارها وبقينا في انتظار الطبيبة التي سرعان ما طرقت الباب ودخلت .. انسحبت أنا وابنتي إلى الخارج ريثما يتم الكشف .. كنت أتأمل في رحمة أرحم الراحمين سبحانه و كيف سخر للحبيبة بغيتها بهذه السرعة العجيبة و أقول في نفسي " صدقتْ مع الله فأعانها الله " .. حانت مني التفاتة إلى صغيرتي مها فأصابني الهول لمّا رأيت دموعها تتحدر من عينيها .. سألتها بسرعة : " مها وش فيك حبيبتي " ... فرفعت يديها إلى السماء و الدموع تجري على خديها و قالت بصوت باكٍ : " يا رب اشف ماما " ... لقد حفر منظر صغيرتي و هي ترفع يديها و تنظر بعينيها إلى الأعلى و الدمع يسيل على خدها أثرا في قلبي ما أحسبه يُنسى .. لقد علمتني تلك الصغيرة دروسا في حياة القلب مع الله .. و حياة القلب مع من نحب .. لقد علمتني كيف أنصح المخطئ و أساعد المحتاج و أعطف على المريض ... أخذت صغيرتي فقبلتها و قلت : " يا رب لا تحرمني من مها " .. خرجت الطبيبة من عند دلال فركضت مها إلى أمها لتضمها و تطمئن عليها .. و أخبرتني الطبيبة أن دلال ستمكث في المستشفى لعدة أيام .. و بعد التحاليل ربما تكون هناك إجابة أكثر دقة ..


في صباح اليوم التالي أتيت لزيارة دلال فاستقبلني أحد الأطباء .. كان يكلمني بطريقة رسمية جدا و لا أثر للابتسامة على وجهه فداخلني كثير من الخوف .. حاولت أن آخذ منه أكثر فلم يجبني إلا بـ " كل شيء بيد الله " .. مرّ يومان والمرض يأخذ من صحة دلال ويوهنها شيئا فشيئا حتى أدخلت غرفة العناية المركزة .. ثم دخلت في غيبوبة قرابة الثلاثة أشهر , تفيق منها تارة فتوصيني بنفسي وبقرّة عيننا مها خيرا , و تطمئنني على نفسها قبل أن تغيب من جديد وسرعان ما غادرتنا حبيبتي و تركتنا في دنيا الآلام كم كانت أياما عصيبة مؤلمة لم يسبق لي أن مررت بمثلها .. فدلال تلك الأم المربية الحنون ماتت !!!! يا الله .. ما أعظم الخطب .. و ما أجلّ المصاب ... لا حول و لا قوة إلا بالله .. كيف سأعيش بدون دلال التي أفتقدها لو غابت عني لحظة ؟ كيف سأعيش في بيت غابت عنه من كانت تملأه بالذكر لربها و الود لزوجها وابنتها ؟ أين سأرى تلك اللمسة الحانية و الابتسامة المفرحة و نظرة العتاب بكل حب و ود و صفاء ؟ لا أدري يوم أن دفنتها .. أدفنتها هي أم دفنت قلبي و روحي !! ... أحداث متقطعة .. أعي بعضها و أنكر بعضا .. لم أصدق الخبر حتى أفهمنيه الواقع المرّ الذي عشته بعد فقدها ....

تابع معنا غدا
الجزء الثاني .....
مستجدات خطيرة ....................


"جوال بيوت مطمئنة"
"قصة لم تسمع بها "
أرسل رسالة فارغة إلى الرقم 88503
إشراف د.عادل العبد الجبار

mooof
11-30-2007, 08:04 PM
شكرا ata على النقل المميز

دفء المشاعر
11-30-2007, 08:47 PM
لا اله الا الله

في انتظار ماتبقى من القصه

وجزاك الله الخير والعافيه

دنيا الأمل
11-30-2007, 09:54 PM
لالالالالالالالالالالا تطول علينا

جزاك الله خير

همسات
11-30-2007, 10:25 PM
تشكر استاذ عبد الله على القصص الجمييييييييييله

ata
12-03-2007, 12:39 AM
نكمل القصة ....

"..قصة مها .."

الجزء الثاني ....
د.عادل العبدالجبار


ملحوظة هامة :....
نعتذر عن بعض الكلمات العامية.............................


عدت من المقبرة كسير البال أبكي الدم قبل الدمع وأردد إنا لله و إنا إليه راجعون .. قدر الله و ما شاء فعل .. اللهم اؤجرني في مصيبتي و اخلف لي خيرا منها .. إن القلب ليحزن و إن العين لتدمع و إنا على فراقك يا دلال لمحزونون ... بعد أن فرغنا من العزاء ذهبت لأرى صغيرتي مها في بيت جدتها .. دخلت إلى فناء البيت فوجدتها تلعب مع بنات خالاتها لعبة " فتاحي يا وردة " فلما رأتني أسرعت إلي و ضمتني فحملتها و قبلتها و هي تركز النظر في عينيّ و كأن شيئا قد لفت انتباهها .. فقالت لي : " بابا متى نروح عند ماما ؟ "


حاولت أن أتماسك فلم أستطع فبقيت محتضنا لصغيرتي و عيناي من خلف رأسها تذرفان الدمع تلو الدمع .. نسيت نفسي و أنا أبكي بين يدي صغيرتي .. أحسست بأني طفل صغير يحتضن أمه .. لقد وجدت في صدر صغيرتي الدفء .. فكيف لا أجده و هذه الصغيرة قطعة مني ... تنبهت على يدها و هي تمسح الدموع عن خدي ... همست في داخلي : " لقد فضحتني عيناي .. ماذا أفعل يا رب " .. فقبلتها و دعوت الله من قلبي أن يسلي صغيرتي مها و يجبر مصابنا في أمها ... مرّت الأيام فدخلتْ حبيبتي مها الرابعة من عمرها .. كانت مها قد افتقدت أمها كثيرا بعد وفاتها ... و عاشت حياتها متنقلة بين منازلها الثلاثة .. فكانت تمضي أيام الأسبوع في بيت ( خاله أديم ) كما هي تقول .. لتصحبها إلى دار التحفيظ و تتعلم منها أخلاق المؤمنة و أدبها و همتها .. فأديم هي تلميذة دلال رحمها الله و دلال هي التي أوصت بذلك ..

و في أيام آخر الأسبوع تأتي لزيارة والدي و والدتي و أهلي ثم تذهب لزيارة جدتها و أخوالها ... أما أنا فكنت آخذها كل يوم وقت الظهيرة و نذهب سويا فنتناول الايس كريم غالبا ... ذات يوم .. عرضت عليّ والدتي الزواج من إحدى قريباتنا فرفضت ذلك رفضا قاطعا .. ألحّت عليّ كثيرا فأجبتها : " لن أجد أبدا مثلا دلال " تدخلت أختي الكبرى و قالت : "طيب ماذا عن أديم .. نسخة من دلال ؟ " قلت : " أديم نعم الفتاة .. لكنها صغيرة و الأفضل لها أن تتزوج شابا قريبا من عمرها .. فاني أخشى أن اظلمها .. فهي فتاة في عمر الزهور و الخطّاب من الشباب عليها كثير .." لم تقنعهم أجوبتي كثيرا فكرروا إصرارهم على الزواج و كررت أنا الرفض ..


بعد أسبوع جاءتني بعثة من العمل لحضور إحدى الدورات في لندن و كانت مدتها قرابة العشرة أيام تقريبا ... كان زميلي في رحلتي هذه أحد الشباب المتميزين في مجال وظيفته و في مجال دعوته و اسمه طارق .. كانت مها لا تفارق فكري و خيالي في هذه الرحلة .. ففي كل مكان أرى مها فيه و هي تبتسم و تقول : " بابا لا تنس الهدية " .. فأتمتم في نفسي : " أنسى كل شيء إلا هديتك يا صغيرتي " .. في اليوم الخامس من الدورة طُلب مني أنا و زميلي طارق أن نقدم عرضاً لبعض المشاريع التي قامت بها شركتنا .. فبذلنا قصارى جهدنا في إخراج العرض بطريقة مغرية و رائعة .. و كان زميلي طارق يتقن الانجليزية جيدا و الحمد لله .. و يتكلمها كما ينطق بها أهلها .. كان هذا العرض سيقام في إحدى قاعات الجامعات و سيحضره عدد كبير من منسوبي الشركات و الكادر الأكاديمي .. تم العرض بطريقة مغرية للغاية و بفكرة جديدة في الطرح فاستمتع الحضور كثيرا .. كما كنا نتعمّد الربط بين أفكار المشروع و أخلاق المسلمين .. فامتلأت القاعة بالحضور و ازداد انتباه الحاضرين لأنهم لم يسمعوا عن كلام مثل هذا من قبل ...

بعد انتهاء العرض بدأ الحضور يلتفون حولنا و يصوروننا و يسألوننا و يطلبون عناويننا البريدية و نحن في حالة من الذهول !! كل هذا بسبب نبذة بسيطة عن أخلاق المسلمين .. كان أكثر المتجمهرين من النساء و خاصة ما فوق الأربعين .. اللواتي رمتهن حضارة الغرب الزائفة .. فلا مكان للمرأة عند الغرب إلا في سن شبابها و جمالها .. أما ما إن تتجاوز الثلاثين .. حتى ترمى كما ترمى علبة العصير بعد أن يفرغ المشروب الذي تحتويه ... و في الغد .. بينما طارق يعّد لنا الغداء طُُرق الباب .. قمت لأنظر من فتحة الباب فرأيت زيّ امرأة فاعتذرنا عن استقبالها .. كررت طرق الباب و قالت إنها تريدنا في أمر مهم ..


قال لي طارق : " افتح لها فلربما تحتاجنا في أمر هام " رفضت أنا تماما و أخبرته أني عشت في لندن أشهرا قبل سبع سنوات و أعرف ما فيها .. رجعت إلى المرأة مرة أخرى و أخبرتها أننا لن نفتح لها الباب .. فتكلمت امرأة كبيرة في السن كانت بجانبها و رجتّـنا أن نفتح لها الباب فهي تعرفنا !! بعدما سمعت صوت المرأة الكبيرة اطمأننت قليلا ففتحت لهما الباب .. أول ما رأتني تلك المرأة الكبيرة نطقت باسمي بلكنتها الأعجمية : " أهمد !! " ظننتها إحدى الحاضرات بالأمس فعرفت اسمي من هناك ..


لكن المفاجأة عندما سألتني عن دلال .. عقد الموقف لساني فلم أستطع التعبير .. فأخبرتني بأنها هي تلك الدكتورة التي أجرّت علينا منزلها قبل سبع سنوات يوم أن أتيت إلى هنا مع دلال رحمها الله فأمضينا في لندن بضعة أشهر ... رحبت بها و سألتها عن حالها وعن ابنتها الوحيدة و زوجها .. فأخبرتني بأن زوجها بخير و أن ابنتها ماتت في حادث سيارة مع عشيقها .. أطرقت حزينا .. فبادرتني بالسؤال عن زوجتي دلال و هل هي أتت معنا هذه المرة ؟ نظرت إليها ثم أطرقت ثانية و الحزن يعتصر قلبي .. فما أن أخبرتها بأنها ماتت رحمها الله حتى بكت بكاء مرّا .. و كأن المتوفاة ابنتها .. بل لم تبك على ابنتها كما بكت على دلال .. لفت هذا الأمر انتباه طارق .. فلما هدأت قليلا سألها عن سبب بكائها على دلال مع أنها لم يظهر عليها التأثر عندما أخبرتنا عن وفاة ابنتها .. فأجابته بأن دلال كانت تهتم بها ... كما كانت طيبة القلب .. كريمة الأخلاق ... أما ابنتها فلا تكاد تهتم إلا بعشيقها ....


ثم أخذت بيد رفيقتها و قفلتا عائدتين وعليهما أمارات حزن وأسى ... واستغل طارق الموقف قائلا وهو يبتسم : " دلال رحمها الله كانت تتخلق بأخلاق المسلمين .. فالإسلام هو الذي أمرها بذلك " ... أشارت برأسها وهي تعده ببحث هذا الأمر ... وقفت متأثرا بعد ما حصل .. سبع سنين و أثر الأخلاق الطيبة و التعامل الحسن باقٍ أثره في قلب هذه الكافرة .. يا سبحان الله .. انظر كيف تعمل الكلمة الطيبة في القلوب ... من الغد .. اتصلت على أحد الأخوة المشاركين في احد المراكز الإسلامية هناك و طلبت منه أن يكون لنا محاضرة في المركز تم التنسيق سريعا خلال يومين .. ابتدأ طارق المحاضرة و كان أسلوبه جميلا جدا .. كما أن شكله يضفي عليه هيبة و وقارا و حبا مع أنه ما زال في السادسة و العشرين من عمره .. بعدها جاء دوري .. كان يبدو عليّ التأثر .. كنت أتكلم عن جمال أخلاق الإسلام و أثرها في قلب المدعوين ... كنت أشرح لهم صفات الداعية المسلم .. الداعية الذي يدعو إلى الله بأخلاقه قبل أن يدعو بأقواله ... الداعية الذي يحمل هم هذا الدين .. الداعية الذي ينجح في كسب قلوب الآخرين بابتسامته و عطفه و حنانه و مساعدته للآخرين ... " أين أنتم من تعامل رسول الله صلى الله عليه و سلم مع جاره اليهودي ؟ انظروا إلى آثار ما تفعلونه و تعملونه من الخير في قلوب الآخرين " ... ثم قصصت عليهم قصة العجوز مع زوجتي رحمها الله فبكى الحضور و بدت عليهم علامات التأثر ..


بعد انتهاء الدورة رجعنا إلى السعودية محملين بكثير من الهدايا .. كان الهاجس الوحيد هو أن أرى مها .. فكل حقيبتي هدايا لها و لوالدتي و والدي حفظهم الله .. ما إن وصلت إلى البيت و سلمت على أهلي حتى اتصلت بمها في بيت جدتها وكلي شوق لرؤيتها كنت أسمع صراخها فرحة بوصولي عندما أخبرتها جدتها بذلك .. أخذتْ السماعة من جدتها و بدأتْ تبكي و هي تقول : " بابا تعال عندي " .. قلت لها و أنا أبكي فرحا بسماع صوتها : " الحين أبجي عندك حبيبتي .. و جبت لك هدية حلوووووة " أختلط ضحكها ببكائها و هي تقول : " بابا .. تعال .. تعال بسرعة .. " أغلقت سماعة الهاتف و هرعت إلى بيت جدتها .. ما إن وصلت عند الباب حتى خرجتْ صغيرتي مسرعة فضمتني و هي تضحك و الدمع ما زال في عينيها ..



حملتها داخل السيارة و بدأت أقبلها و أنظر إليها فأقول : " ما شاء الله كبرت يا مها " فتضحك فرحة مسرورة و هي تلعب بلحيتي .. سألتها : " وش تتوقعين هديتك يا مها ؟ " فضمت يديها و بدأت تقلبها ثم وضعتها تحت ذقنها بتغنج الفتاة المتقنة لذلك و ابتسمت ابتسامة عريضة ملأت وجهها إشراقاً و حلاوة .. ثم قالت : " اممممممم ما ادري !! " فأريتها إياها فطارت بها فرحا و ركضت بها إلى جدتها لتريها هديتها ... وقفت أنظر إليها .. ثم تمتمت في نفسي : " يا رب احفظها لي و اجعلها من الداعيات إلى دينك .. يا رب أصلحها و أصلح بها " ... كبرت صغيرتي مها حتى وصلت السادسة من عمرها .. عند ذلك أدخلناها المدرسة الابتدائية القريبة من بيت ( خاله أديم ) .. كانت شعلة في النشاط و الحيوية .. كما كانت ذكية متفتحة العقل و الفكر ما شاء الله عليها .. في أول شهر جاءنا خطاب شكر من المدرسة على حسن تربيتها و تفوقها .. ثم توالت خطابات الشكر و الإعجاب بخلقها و حسن تربيتها .. ثم بعد ذلك توالت الرسائل من معلماتها في كيفية تربية مها هذه التربية الإسلامية ... لقد كانت صغيرتي لا تفتأ تنصح الجميع بأسلوب جميل و كأنه أسلوب والدتها دلال رحمها الله ..


ذات يوم كانت مها تمشي مع معلمتها هند التي تحبها كثيرا .. فرأتها إحدى المعلمات فأرادت أن تقبلها .. فلما اقتربت من وجهها أبعدت مها وجهها فجأة و بسرعة و كانت تنظر إلى وجه المعلمة باستياء ونفور .. فزعت المعلمة لهذا الفعل فسألتها : " وش فيك حبيبتي ؟ " فقالت صغيرتي : " هذا ما يحبه ربي " و أشارت إلى حواجب تلك المعلمة .. تقول تلك المعلمة : كنت أقرأ حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لعن الله النامصة و المتنمصة " ما وعيته حقاً حتى أشعرتني مها بفداحة ما أفعل ... كانت الاتصالات من زميلات مها لا تتوقف عن بيت أديم .. فقد كانوا يحبونها كثيرا .. و دائما ما كانت صغيرتي تقص لي قصصها مع زميلاتها و هي تنصحهن .. و كم مرة قرأت رسائل صديقاتها الصغيرات في حقيبتها .. " أحبك يا مها " .. " ياليتنا أخوات " .. " مها أحسن صديقة عندي " .. " مها و لجين أحلى وردتين " .. و حتى أن الكثيرات منهن شاركن معها في دار التحفيظ ليحظين بالقرب منها ..أخذتها ذات يوم إلى السوق لنشتري لها بعض الأغراض التي تحتاجها .. كنا نسير في أحد الممرات و كانت صغيرتي ممسكة بيدي .. فجأة تركت يدي و ركضت تجاه مجموعة من النسوة يدخلن أحد المحلات .. ركضت وراءها و أنا أناديها : " مها .. مها .. " فدخلت معهن المحل ثم أمسكت بعباءة إحداهن .. نظرت إليها تلك المرأة مستغربة .. فأنزلت إليها رأسها .. فهمست إليها صغيرتي و أنا أرى الموقف من خارج المحل .. فقامت هذه المرأة فقبلت صغيرتي و هي تضحك .. فلما رجعت مها سألتها : " وش قلتي للحرمة ؟ " قالت : " قلت لها ربي ما يحب هذي العبات " ... فقمت و قبلتها بين عينيها و شكرتها.. و قلت في نفسي ما شاء الله عليك تعرفين تفرقين بين عباءة الكتف و عباءة الرأس ..


وترقرقت الدموع في عيني وأنا أذكر أمها التي دأبت على غرس الخلق الإسلامي القويم بين أضلع تلك الصغيرة..!! انتهينا من شراء أغراضنا .. فلما أردنا الخروج فإذا بذلك الصبي الذي يجلس على قطعة كرتون بجانب الباب .. و أمامه مسجل و بعض الأشرطة .. و قد رفع صوت المسجل بأحد أشرطة الأناشيد و التي فيها دف .. انطلقت إليه مها و هي تحمل كيستها الصغيرة و قد بان على وجهها الغضب ظنا منها أن هذا الصوت صوت غناء .. فوقفت أمام هذا الصبي و قالت بصوت عالي : " حراام .. حرااام .. قال صلى الله عليه و سلم ( المسلم أخو المسلم ... ) " ... فلم تحفظ صغيرتي سوى هذا الحديث و لذلك استشهدت به .. المهم أن الصبي لما رأى حماس مها في الإنكار و وقوفها أمامه بهذه الهيئة قام فأطفأ مسجله على الفور .. وعادت صغيرتي إلى أدراجها بسلام .... في الفصل الثاني من سنتها الأولى في المدرسة .. طلبت مني صغيرتي أن تلبس العباءة فقد كبرت على حد قولها .. كنت أضحك عندما كانت تتصل على هاتفي الجوال فتذكرني بأن لا أنسى أن أشتري لها العباءة .. بل و تقول " أبغى عبات رأس " ... ضحكت من أسلوبها و هي تحرصني أن أشتري لها هذه العباءة .. بعد أول يوم دراسي في هذا الفصل ..

ذهبت لأخذها كعادتي في وقت الظهيرة .. فوجدتها حزينة كسيرة البال .. سألتها عن السبب فرفضت أن تجيبني .. بل أنها أبتّ أيضاً أن تأكل الايس كريم ذلك اليوم .. ألححت عليها .. فأخبرتني أخيرا " ليه ما جبت لي عبات رأس ؟ اليوم رحت المدرسة و الرجال شافوني " ضحكت كثيرا و قهقهت .. فغضبت أكثر .. فلما رأيت ذلك منها قلت لها : " الحين نشتري لك عبات رأس " فعلاً بعد العصر مررنا أحد المحلات فلم نجد عنده بمقاسها .. فطلبت منه أن يخيط لنا عباءة رأس بمقاس صغيرتي .. فلما سمعت ذلك انفرجت أساريرها .. بعد ثلاثة أيام لبست صغيرتي مها عباءة الرأس في ذهابها إلى المدرسة .. ما أجملها و أنت ترى تلك الفتاة الصغيرة بعباءة المرأة المحتشمة .. شامخة بحجابها .. رافعة رأسها و كأنها إحدى المعلمات .. مضى اليوم الأول بعد أن لبست العباءة و هي لا تكاد تحملها الأرض من الفرحة و السرور .. كل المعلمات أتين ليرينها بعباءتها .. حتى أنها أبتّ أن تخلعها في الفصل حتى أتت معلمتها هند فأقنعتها بذلك .. ثم قامت معلمتها هند فأقامت لها حفلا صغيرا في المدرسة حتى تتعلم منها الأخريات .. فتحفزت همم صديقاتها و بدأن ينكرن على أخواتهم ممن يلبسن عباءة الكتف .. و كل واحدة تقول للأخرى : " إذا كبرت أبلبس عبات رأس " لما سمعت إحدى معلمات المرحلة الثانوية في إحدى المدارس عن الخبر من طريق زميلتها المعلمة في مدرسة ابنتي مها .. أرسلت إلينا بخطاب تطلب منا أن تُحضر مها إلى المدرسة الثانوية في يوم الثلاثاء القادم لأنهم سينظمون برنامجا عن أهمية الستر و العفاف الظاهري و الداخلي و ستكون صغيرتي ملكة الحفل عندما تدخل عليهم شامخة بعباءتها الصغيرة ..


لبينا طلب المعلمة و طارت صغيرة فرحا بهذا الخبر .. فهي ستلبس عباءتها و تدخل إلى مدرسة البنات الكبيرات .. كانت مها تنتظر ذلك اليوم بفارغ الصبر .. و كنت أشجعها فأعد العدة معها و أشتري لها ما تحتاجه في ذلك اليوم .. فشراب أسود جميل و ساتر .. و قفازان صغيران .. و باقة من الأشرطة المختارة لتوزعها على من تقابلهن من الفتيات ... في يوم الثلاثاء و بعد صلاة الفجر .. رجعت لأوقظ صغيرتي لتصلي ثم تستعد للذهاب إلى المدرسة .. فقد نامت مها عندي ليلة البارحة لأن ( خاله أديم ) متعبة .. كما أن المدرسة الثانوية التي سيقام فيها الحفل قريبة من بيتنا .. أنا أعلم أن مها لم تكد أن تنام تلك الليلة من شدة فرحتها .. أيقظتها فقامت بسرعة ثم ذهبت لتتوضأ و تصلي .. بقيت في غرفتي أنتظرها .. كنت أتفكر في هذه الفتاة الصغيرة و كم من السرور أدخلته على قلبي بفضل الله .. فقمت أحمد الله كثيرا على فضائله و نعمه التي لا تعد و لا تحصى .. كنت أتفكر في نفسي .. هل كنت أنا هكذا عند والديّ رعاهما الله .. هل هما يحباني كما أحب أنا مها .. بالتأكيد نعم ... سقطت دمعاتي و أنا أسمع والدتي تناديني أنا و مها لوجبة الإفطار .. كنت أتصورها تحبني كما أحب أنا مها .. بقيت أتذكر مواقفي و أنا صغير مع والدي و والدتي .. بقيت أتفكر في قلب الأم .. فتذكرت قلب الأم و حنانها .. و تذكرت قلب الأم و أثرها على أبنائها .. و تذكرت قلب الأم و كيف أنها تستطيع أن تصنع جيلا لا يطأطئ الرأس و يتمنى الخير لكل الناس ... أمسكت بقلمي فكتبت في إحدى مذكراتي : " أمي .. كم أنا أحبك ... " قطع حبل أفكاري صوت مها : " بابا كذا حلوة ؟ " التفت إليها فرأيتها شامخة بعباءتها .. ابتسمت .. ضحكت .. فرحت بجمالها و كمال أنوثتها .. فرحت بجمال روحها و أدبها و رزانتها .. رجعت إلى ورقتي فكتبت فيها : " أبي أحبك من أعماق قلبي .. " قاطعتني مها و هي تنظر إلى ما كتبت : - بابا وش تكتب ؟ - أكتب رسالة .. - لمين ؟ - لماما فاطمة .. - بابا .. أكتب رسالة لماما دلال و قلها إني كبرت .. نزلت قليلا عن السطر الذي كتبته .. ثم كتبت تحته : " زوجتي الغالية دلال .. مها .... كبرت "

...................
"جوال بيوت مطمئنة"
"قصة لم تسمع بها "
إشراف د.عادل العبد الجبار

دفء المشاعر
12-07-2007, 06:40 AM
جزاك الله الخير والعافيه


على ماسطره قلمك


من قصص راااائعه

ومؤثره جداااااااااااااااااااااااااااااااا

دنيا الأمل
12-07-2007, 08:58 PM
قصه رائعه جدا ومؤثره

جزاك الله الف خير استاذ عبد الله

هنادي
12-13-2007, 01:25 PM
جزيت خيرا استاذ عبدالله

يعطيك الف عافيه

الله ينفع بها يارب

تماراTMARA
12-13-2007, 01:30 PM
جزاك الله كل خير أستاذنا الفاضل
صة رائعة أسأل الله أن لا يحرمك أجرها

7asabco.com
12-13-2007, 01:38 PM
أسأل الله بالفعل ألا يحرمك أجرها

بارك الله فيك خيراً ووفقك لما تحبه

همسات
12-13-2007, 02:51 PM
يعطيك العافيه استاذ عبد الله

مشكوووووووووووور